هل دخلت الانتخابات النيابية في نفق النزاعات النيابية والدستورية مما يمهّد لإلغائها أو تأجيل موعدها؟ سؤال بات مشروعاً مع تقديم تكتل لبنان القوي طعناً أمام المجلس الدستوري لإبطال القانون رقم 8 الصادر بتاريخ 3/11/2021، والرامي إلى تعديل بعض مواد قانون الانتخاب 44/2017. المواد المطعون فيها هي نفسها التي استند إليها رئيس الجمهورية ميشال عون لعدم توقيع التعديلات وردّها إلى مجلس النواب لتضمنها مخالفات دستورية. وقد ترجم التيار الوطني الحر هذه المخالفات بتقديم مطالعة للمجلس الدستوري تعزز موقفه، وأولها مخالفة المادة 57 من الدستور في الجلسة العامة لمجلس النواب التي ناقشت ردّ رئيس الجمهورية وصوتت عليه. فعند التصويت على البند المتعلّق باقتراع المغتربين، أيّد 61 نائباً الإبقاء على التعديلات لجهة انتخاب المغتربين في الداخل من دون استحداث 6 مقاعد لهم في الخارج. يومها، انسحب التيار اعتراضاً على اعتبار رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الغالبية المطلقة في المجلس النيابي هي 59 نائباً لا 65، وذلك عبر احتسابه العدد الفعلي للنواب مستثنياً المتوفين والمستقيلين لا العدد القانوني أي 128. من هنا، أورد التكتل في طعنه أن المادة 57 من الدستور تنص على أنه «عندما يستعمل الرئيس حقه هذا، يصبح في حل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً»، ما يعني أن الغالبية المطلقة تحتسب وفقاً للعدد القانوني. كذلك استند التيار إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل التي حددت في رأيها التعليل رقم 1374/1988 الذي يقول إن «القانون يقر بالغالبية المطلقة من مجموع العاملين فيه» أي الأحياء، وهو الرأي الذي يتناسب ورأي رئيس مجلس النواب. لكن المشرع الدستوري عدّل المادة المذكورة وحذف منها عبارة «الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء العاملين» ليستبدلها بـ«الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً» أي باحتساب العدد الذي نصّ عليه قانون الانتخاب. بالتالي، يتابع التيار، «يكون كل اجتهاد مخالف يقول بحذف الأعضاء المتوفين والمستقيلين في حساب النصاب ومهما كان المبرر، مخالفاً لنص الدستور الصريح ورغبة واضعيه الأكيدة». أما الدليل الأبرز على ما سبق كما جاء في الطعن، فهو القانون رقم 11 الصادر في 8 آب 1990 وفحواه أن نصاب النواب الأحياء يبقى سارياً إلى موعد إجراء أول انتخابات نيابية عامة أو فرعية في المرحلة التالية لصدوره وذلك بصورة استثنائية في ضوء انخفاض النواب في حينه إلى 70 نائباً. وبعد هذا القانون أجريت عدة انتخابات، بما يقضي إلى «إبطال القانون المطعون فيه في ما يخصّ الأكثرية المعتمدة للتصويت على المواد المعنية بهذه المخالفة». من ناحية أخرى، يذكر التكتل مخالفة دستورية أخرى تتعلق بآلية تفسير الدستور. ويستند الطعن إلى بري نفسه الذي سبق له أن قال في معرض تلقيه طلباً من الرئيس عون بتاريخ 17/11/2014 لتفسير المادة 24 من الدستور حول المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في انتخاب أعضاء مجلس النواب، أن تفسير «أي مادة في الدستور يتطلب موافقة ثلثيّ مجلس النواب لإقراره». وهي حجة أخرى تستدعي إبطال القانون «الذي اتخذ بالاستناد إلى تفسير مخالف للأصول».
«النقطة الأقوى» في الطعن هي تلك المتعلقة بالغالبية المطلقة

إلى جانب طعن التكتل بطريقة احتساب بري للغالبية المطلقة، أورد أيضاً ما سماه «مخالفات دستورية في شأن حق المنتشرين في التمثيل النيابي الخاص»، أي المقاعد الستة الموزعة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين على القارات الست. إلا أن التعديل الوارد في المجلس النيابي قد انتقص من «الحقيّن المكتسبين لغير المقيمين المتمثلين بالحق في الاقتراع في الخارج من جهة والحقّ في الترشح في الخارج وعنه من جهة أخرى». كذلك أتى على ذكر المخالفة المرتبطة بالمهل مخالفاً مبدأ فصل السلطات، إذ يدخل هذا الأمر في إطار تعدّي السلطة التشريعية على الصلاحيات الدستورية للسلطة التنفيذية، ومخالفات تتعلق بالمادتين 64 و66 من الدستور حول تقليص دور الوزير المختص (وزير الداخلية) الذي يمنحه الدستور بعد وضع التعديل الأخير مسألة تعيين رؤساء لجان القيد العليا والابتدائية وأعضائها ومقرريها، في حين أن هذه الصلاحية قبل التعديل كانت بيد وزيريّ العدل والداخلية. وأنهى التكتل الطعن بإيراد الكوتا النسائية من منطلق عدم تطبيق مبدأ المساواة. وطلب من المجلس الدستوري تعليق مفعول القانون المطعون فيه وإصدار القرار بإبطاله إبطالا كلياً للترابط بين مواده وعدم دستوريته.

هل يكسر فيتو الرئيس؟
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام أن «النقطة الأقوى» في الطعن هي تلك المتعلقة بالغالبية المطلقة بعكس بقية النقاط التي يمكن القفز فوقها. وبرأيه، «إذا ما قبل المجلس الدستوري بالطعن المقدّم في ما خص بالنقطة الأولى التي تنص على مخالفة المادة 57 من الدستور، لا يعود من داع لمناقشة بقية البنود». ويشير إلى أن المجلس «لا يجب أن يدخل في مضمون القانون بل في آلية المخالفة للمادة الدستورية التي تفرض الغالبية المطلقة في كل البنود التي ردّها رئيس الجمهورية، ما يعني عدم كسر فيتو الرئيس وسيؤدي إلى إبطال القانون كاملاً بمعنى إبطال كل التعديلات التي اتخذ القرار بها في مجلس النواب، وإعادة التصويت على هذه المواد».
من جهة أخرى، يؤكد اللحام أن الطعن استند أيضاً على نقطة صحيحة، «إذ لا يحق للمجلس النيابي تفسير الدستور بوصفه سلطة تشريعية».
لكن ماذا بعد قبول الدستوري للطعن؟ يجيب اللحام: «يصبح النص المنشور في الجريدة الرسمية مجرد نصّ غير نافذ ويعمد المجلس النيابي إلى الاجتماع مجدداً للتصويت على قانون جديد حول التعديلات التي يريدها على المواد الموجودة في قانون الانتخاب النافذ. علماً أن رئيس الجمهورية أخطأ في بيانه عندما قال إن القانون بات نافذاً بدلاً من الإشارة إلى أنه تم نشر النصّ ومخالفته للمادة 57 من الدستور». وعما إذا كان هذا الإبطال سيؤثر في الاستحقاق الانتخابي، لفت إلى أن النص «فخّ بمعنى يمكن له أن يؤدي إلى إبطال القانون أو اتخاذه ذريعة لإبطال الانتخاب». أما في ما يتعلق بانتقاص حقّ المغتربين وتقصير المهل بمعنى منع شريحة عمرية من الانتخاب لعدم بلوغها سنّ الـ21 قبل 27 آذار، فيشير لحام إلى أنه «ممنوع على المشرّع إلغاء حق من دون أن يعطي في مقابله، وفي هذه النقطة، منح مجلس النواب الحق لغير المقيمين بالاقتراع في الداخل كما في العام 2018، ما يعني الإبقاء على حقهم الديمقراطي. فيما مسألة تقصير المهل لا تعتبر من المخالفات الدستورية، فالدستور يمنح السلطة التنفيذية حق حلّ مجلس النواب نظرياً عندما تريد، وهو ما يقود إلى حرمان كل من لم يبلغ 21 عاماً حينها من الانتخاب. كذلك يمكن لمجلس النواب التصويت على قانون لتقصير ولايته ما يعني أيضاً إجراء انتخابات مبكرة وحرمان البعض من الانتخاب. إلا أن هذه ليست بمشكلة لأن هدفها الاحتكام إلى الشعب».
في سياق آخر، قد يعمد المجلس الدستوري إلى اتخاذ قرار سلبي يطيح بالطعن، «وذلك مستبعد لوضوح المخالفة الدستورية، أو يصدر محضراً يدّعي فيه أن النصاب لم يكتمل (عدد الأعضاء 10، لكن النصاب يؤمن بثمانية أعضاء والتصويت يحتاج إلى غالبية من 7 أعضاء)، فيبقى القانون نافذاً كما التعديلات المقرّة». وإذا ما حصل أمر مماثل، بحسب لحام، «يكون المجلس قد فقد مصداقيته المفقودة أصلاً، ويكون قراره مصلحياً، وهو بمثابة ارتكاب جريمة لأن القوى السياسية عمدت إلى التدخل في عمل السلطة القضائية ومنعتها من إتمام مهامها».