لا تزال المفاوضات بين لبنان ومصر مستمرّة في شأن توريد الغاز إلى لبنان عبر الأراضي السورية. توقيع الاتفاق يأخذ وقتاً أطول من المعتاد لأنه لا يقتصر على اتفاق بين دول يمرّ عبرها خطّ الغاز العربي، بل يتعلق بشكل أساسي بالإعفاء الأميركي من قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على سوريا، وبوجود البنك الدولي في هذه العلاقة كونه سيقرض لبنان ثمن شراء الغاز للسنة الأولى. فهل ما صدر عن الإدارة الأميركية كافٍ لإثبات الإعفاء المطلوب منها تجاه الآخرين؟حتى الآن، اتفق لبنان مع مصر على شراء كمية من الغاز الطبيعي تبلغ 1.7 مليون متر مكعب يومياً. الكمية ستُضخّ في خطّ الغاز العربي الذي يصل إلى سوريا عبر الأردن، ومن حقول الغاز في سوريا ستُضخّ كميات موازية في الوصلة التي تصل من حمص إلى دير عمار شمال لبنان. السعر المتفق عليه مبنيّ على معادلة تسعير تأخذ في الاعتبار الحدّ الأقصى بسعر 10 سنتات لكل متر مكعب، والحدّ الأدنى بسعر 7 سنتات وهي تشمل بدل المرور في الدول الأخرى وتقلّبات أسعار النفط العالمية. وتمتدّ فترة الاتفاق لنحو 10 سنوات، علماً بأن البنك الدولي سيموّل، بواسطة قرض، كلفة السنة الأولى.
ورغم أن مصر تلقّت «رسالة تطمين» من الإدارة الأميركية بشأن الإعفاءات من قانون قيصر، إلا أنه رُصدت أصوات مصرية تشير إلى أن الرسالة غير كافية. عندها طلب المعنيّون في مصر ضمانات إضافية، فحصلوا على بيان توجيهي من وزارة الخزانة الأميركية يشير إلى الإعفاء. صحيح أن البيان كان واضحاً ولا سيما لجهة أنه يشير إلى انخراط البنك الدولي في عملية تمويل المشروع، علماً بأنه منظمة دولية تسهم فيها أميركا بشكل أساسي وكبير، إلا أنه لم يتّضح بعد إذا ما كان البيان يحسم بشكل نهائي الشكوك القائمة بشأن ضمانة الإعفاء الأميركي.
أتى البيان التوجيهي ردّاً على السؤال الآتي: هل يُسمح للأمم المتحدة وحكومة الولايات المتحدة بإجراء أنشطة ومعاملات تتعلق بالاستقرار والتعافي المبكر تشمل سوريا؟ هل هذا ينطبق على المقاولين والجهات الأخرى أيضاً؟
في 8 تشرين الثاني 2021، جاء ردّ وزارة الخزانة على شكل بيان توجيهي يجيب: «نعم فعلاً». وفي شرح هذه الـ«نعم»، تشير الخزانة الأميركية إلى أن لوائح العقوبات السورية، ووفقاً لشروط معينة، «تخوّل الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وبرامجها وصناديقها والمنظمات ذات الصلة وموظفيها أو المتعاقدين أو المستفيدين من المنح، المشاركة في جميع المعاملات والأنشطة التي تدعم أعمالهم الرسمية في سوريا، بما في ذلك أيّ أنشطة ومعاملات تتعلق بالاستقرار والتعافي المبكر لدعم هذه الأعمال الرسمية». وتضيف بأن هذا التفويض يطبّق على جميع الموظفين والجهات المانحة، والمقاولين الذين يقومون بالأعمال الرسمية للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وبرامجها وصناديقها والمنظمات ذات الصلة، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية وكيانات القطاع الخاص التي تعمل كمتلقّين أو مقاولين. وتلفت إلى أن «الأشخاص غير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية وكيانات القطاع الخاص والمؤسسات المالية الأجنبية التي تسهل أو تساعد في الأنشطة المذكورة أعلاه، لا يخاطرون بالتعرض للعقوبات الثانوية الأميركية بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 بسبب مشاركتهم في الأنشطة المذكورة والمصرّح بها أو التي سمح بها للأشخاص الأميركيين بموجب قانون النظام الموحد».
لكن البيان التوجيهي يخلص إلى الإشارة إلى أن «هذا التوجيه لا ينطبق على المعاملات والأنشطة التي قد تخضع لعقوبات بموجب برامج عقوبات أخرى يديرها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أو سلطة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ذات الصلة بسوريا ( EO 13894)، ما لم يكن معفيّاً أو مصرّحاً به من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية».