خلال أقل من ثلاثة أشهر، توصل لبنان إلى اتفاق أولي لشراء الطاقة الكهربائية من الأردن واستجرارها إلى لبنان عبر الأراضي السورية بواسطة خطّ الربط الثماني. المحفّز السياسي لهذا الاتفاق هو قيام حزب الله باستيراد المازوت من إيران، ما استولد ردّة فعل أميركية تسمح للأردن ببيع الطاقة الكهربائية للبنان عبر سوريا. بعدها، قاد وزير الطاقة وليد فياض مفاوضات مع نظيريه في الأردن وسوريا انتهت باتفاق أوّلي لمدة سنة قابلة للتجديد، على أن يدفع لبنان ثمن الكيلواط ساعة المنتج في الأردن نحو 11.2 سنتاً، وكلفة نقلها عبر سوريا 0.8 سنت. معادلة التسعير احتسبت على أساس سعر برميل النفط بقيمة 80 دولاراً، بينما شارك البنك الدولي في هذه المفاوضات للموافقة على تمويل الكلفة الإجمالية بقيمة قد تصل إلى 200 مليون دولار خلال السنة الأولى. وفي المقابل سيحصل لبنان على حدّ أقصى للسحب اليومي من التيار الكهربائي بقدرة 250 ميغاواط ساعة.
(أرشيف ـ مروان طحطح)

التوصل إلى اتفاق سريع لم يكن محفّزاً بتسهيل أميركي يتعلق بإعفاء المعنيين، سلفاً، من أي تورّط في العقوبات على سوريا. بل أتى التسهيل الأميركي ردّاً على قيام حزب الله باستيراد المازوت من إيران. فالحزب أعلن أن الهدف الأساسي هو تأمين الوقود اللازم لتوليد الكهرباء لمجموعة من القطاعات؛ من ضمنها مولدات الكهرباء في الأحياء التي باتت تمثّل الثقل الأكبر في توليد الكهرباء للسكان بعدما تقلصت قدرة معامل إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان إلى حدود التغذية اليومية بأقل من ساعتين. أسباب التدهور صارت معروفة، إذ لم تعد توجد قدرات تمويلية للدولة اللبنانية بشقّيها: الخزينة التي تخصص اعتمادات بالليرة لشراء الفيول أويل لزوم معامل الإنتاج، ومصرف لبنان الذي يوفّر الدولارات لاستيراد الكميات.
بهذه الخلفية، انطلقت مفاوضات استجرار الطاقة من الأردن عبر سوريا. التمهيد قام به وزير الطاقة السابق ريمون غجر يوم زار سوريا مطلع أيلول الماضي. ومع تشكيل الحكومة، قاد المفاوضات بشقها الأساسي الوزير فياض.
لم تكن المفاوضات سهلة. فهناك أضرار لحقت بالشبكة في سوريا، وهناك أيضاً الاتفاق على معادلة التسعير بين البلدان الثلاثة، وتمويل الكلفة. وهذا يعني أن هناك مصالح مختلفة آنية واستراتيجية أيضاً؛ لدى الأردن كلفة إنتاج مرتفعة عبر القطاع الخاص مع فائض في كمية الإنتاج متاح للبيع. وسوريا لديها شبكة متضرّرة، إضافة إلى نقص في التغذية بالتيار الكهربائي أيضاً يصل إلى 7 آلاف ميغاواط. بينما لبنان يسعى إلى زيادة عدد ساعات التغذية من دون أن يكون لديه التمويل بالعملات الأجنبية.
بكلام أوضح، هذه الأوضاع تعني الآتي:
ــــ لدى الأردن نقطة ضعف في التفاوض تتمثّل بوجود فائض إنتاج يتحمل المجتمع كلفتها، بينما لا يمكن بيعها بسعر يفوق أو يساوي سعر بيع الطاقة محلياً. وبالتالي فإن الحكومة الأردنية ستكون محرجة تجاه مواطنيها بالشكل العام، إنما بيع الطاقة للبنان سيرفع المردود الإجمالي.
ــــ سوريا تريد أن تكون لديها رافعة مستقبلية في التعامل مع لبنان لأنها تأمل أن تكون لديها قدرات إنتاجية واسعة ضمن المدى المتوسط، وبالتالي يمكن بيع الكهرباء للبنان، إنما لديها حاجة آنية تتعلق بزيادة عدد ساعات التغذية. أما مشكلة الأضرار اللاحقة بالشبكة فليست بذات الأهمية مع رؤيتها لمستقبل العلاقة الطاقوية بين البلدين.
ــــ غياب التمويل بالدولار في لبنان هو أصل المشكلة في انعدام صيانة معامل الإنتاج القائمة حالياً، ما أدّى إلى انخفاض مستويات إنتاجها، علماً بأن غالبيتها معامل متهالكة تنتج بكلفة مرتفعة وبقدرات ضعيفة بلغت ساعتين يومياً. كما أن لبنان، ولأسباب عديدة متصلة بمستوى الأزمة وفشل إدارتها، وتحميل الخسائر للقسم الأكبر من الناس… هو أيضاً لم يعد قادراً على تمويل استيراد الكميات اللازمة من الفيول أويل والمازوت لزوم معامل الإنتاج، ولم يعد قادراً على تمويل استيراد المازوت المدعوم لزوم مولدات الأحياء.
وفق التقديرات ستطرح زيادة تعرفة الكهرباء في نهاية السنة الجارية


وسط هذه الظروف، انطلقت المفاوضات الثلاثية على مستوى الفرق الفنية وعلى مستوى الوزراء، بالإضافة إلى البنك الدولي. وكان لبنان أمام خيارين: التوصل إلى اتفاق طويل الأمد يتيح له استجرار كميات محدّدة من التيار الكهربائي بمعزل عن الحاجة الفعلية، إنما بكلفة ثابتة وزهيدة نسبياً، أو التوصل إلى اتفاق قصير الأمد ينطوي على مرونة أكبر في التسعير وتسديد ثمن الكميات المستجرّة من التيار حصراً.
الاتفاق الطويل الأمد يتطلب موافقة الأطراف الثلاثة. في الأردن، كان لكلفة الإنتاج المحلي دور سلبي في منع التوصل إلى اتفاق كهذا. فالأردن سيكون محرجاً تجاه المستهلكين المحليين لو باع بأسعار زهيدة، بينما سوريا لم تكن قادرة على الالتزام بعقد طويل المدى.
المصلحة اللبنانية كانت تقضي بالتوصل إلى اتفاق على المدى الطويل، ولا سيما أن لبنان قادر على استيعاب كميات كبيرة من التيار الكهربائي وسط حاجاته الكبيرة. لكن مصالح الدول الأطراف تقاطعت مع معالجة مشكلة تمويل الكلفة في لبنان بواسطة قرض من البنك الدولي يغطي الحاجات ضمن فترة زمنية قصيرة. هكذا أصبح لبنان محكوماً باتفاق قصير المدى يتطلب الاتفاق على الكميات المستجرّة ومعادلة التسعير.
في البدء، عرض الجانب الأردني أن تكون معادلة التسعير على النحو الآتي: 14 سنتاً مقابل كل كيلواط ساعة يحصل عليها لبنان من الأردن، وفوقها يدفع لبنان 2 سنت كلفة النقل عبر سوريا. وهذا السعر محتسب على أساس برميل النفط 90 دولاراً. في المقابل، عرض لبنان تسديد 9 سنتات تدفع مهما كانت الكمية المستجرّة. وبعد جولات تفاوض تقنية وسياسية، تمكّن الوزير فياض من التوصل إلى اتفاق على معادلة تسعير تنصّ على خفض الكلفة الأساسية مع الأردن إلى 11.2 سنتاً، وفوقها 0.8 سنت كلفة النقل عبر سوريا. طبعاً هذه المعادلة محكومة بسقوف وهوامش لسعر برميل النفط، فإذا ارتفع سعره عن 130 دولاراً لا يدفع لبنان أكثر من 16 سنتاً مقابل كل كيلواط ساعة، بما فيها كلفة النقل، وإذا انخفض السعر إلى 50 دولاراً لا يدفع أقل من 10سنتات.
الاتفاق الأولي انتهى قبل أيام. ما سيليه هو الآتي:
ــــ ستوجّه الإدارة الأميركية خطاباً لمؤسسة كهرباء لبنان يتيح لها توقيع الاتفاق مع سوريا من دون أن تخضع للعقوبات الأميركية لاحقاً.
ــــ ستعمل سوريا ضمن حدّ أقصى يبلغ نهاية السنة الجارية، على صيانة الشبكة تمهيداً لبدء عملية الاستجرار.
ــــ سيعرض الاتفاق على الجهات المعنية في البلدان الثلاثة، سواء كانت جهات خاصة ورسمية كما في الأردن، أو جهات رسمية كما في سوريا، أو جهات رسمية بالتشارك مع البنك الدولي كما في حالة لبنان.
التوقيع يلزم الأطراف بكل مندرجات الاتفاق، إنما بالنسبة إلى لبنان يمثّل بداية لمعالجة جزء من مشكلة كبيرة، والتوسّع في زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي وفق خطّة تقضي بأن يحصل لبنان على 10 ساعات كحدّ أدنى و14 ساعة كحدّ أقصى، إذ يأمل أن يحصل على 4 ساعات تغذية من الفيول العراقي المجاني، و4 ساعات تغذية من المعامل التي ستحصل على الغاز المصري، وما بين ساعتين وثلاث ساعات من التغذية بالاستجرار من الأردن.
هذا هو الحدّ الذي يثير مسألة أخرى: زيادة تعرفة الكهرباء؟ وفق التقديرات، فإن الأمر سيبدأ في نهاية السنة الجارية.