يقارن مسؤول في التيار الوطني الحر بين صورة «التجمعات» في بيروت، أول من أمس، في ذكرى 17 تشرين وبين صورة الحشد في احتفال نهر الموت، السبت الماضي، في ذكرى 13 تشرين، ليؤكد أن التيار «خرج من دائرة الخطر»، وأن «من شنوا حرباً شخصية منظمة على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل هم من يفترض أن يتنبهوا لعدم قدرتهم في الذكرى الثانية لثورتهم على أن يجمعوا 300 شخص».تجمع هيئات الأقضية في التيار على أن الحشود التي نزلت، بعد يومين من كمين الطيونة وفي ظل أزمة اقتصادية وغلاء سعر البنزين، «أكثر من جيّدة»، على رغم أن التيار «لم ينفّذ تعبئة عامة في صفوفه ولم يطلق عناوين سياسية لشدّ عصب الجمهور ولم يؤمّن تكاليف النقل التي غطتها الهيئات عبر تبرعات فردية، بل اكتفت قيادته بتوجيه نداء على غروب واتساب، على عكس ما جرت عليه العادة في السنوات الماضية». وتصف المصادر حشد السبت الماضي بالـ«جيّد جدّاً، وهو أعاد الأوكسيجين إلى جسم التيار الذي اهتز غداة 17 تشرين». فيما تكفّل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بـ«التشجيع» على المشاركة، عندما تساءل ساخراً في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، غداة قنص سبعة متظاهرين، عما «إذا كان بقي في شباب في التيار». يتحدث المنظمون عن وجوه جديدة ويؤكدون أن الحشد هو نفسه الذي كان يخرج قبل عامين، من الأشرفية وجزين والشوف وعاليه وبعبدا وكسروان. الامتحان الرئيس كان في قضاء المتن الشمالي الذي يشكل، تاريخياً، الخزّان الشعبي للحشود العونية. ووفقاً لهيئة القضاء، فإن «الوفد الأكبر في التجمع هو للمتن». وفيما يكون التعويل عادة على المناطق الشمالية وعكار تحديداً، لم يُطلب من كادرات التيار هناك التعبئة، فتم الاكتفاء ببضعة باصات، خصوصاً أن المسافة طويلة ومكلفة أكثر من أي منطقة أخرى. أما في جبيل، فقد أدى غياب التنسيق بين نائب القضاء سيمون أبي رميا وهيئة القضاء المعينة منذ شهرين إلى حدوث مشكلات أسهمت في تجزئة الحشود.
باسيل يدرك جيداً أن تسييس التحقيق سيشمله شخصياً كوزير طاقة سابق


عموماً، نجح التيار في امتحان الأرض، وحصل على صورة حاشدة تداولها الناشطون على وسائل التواصل. وتؤكد مصادر قيادية أن «التيار الذي حافظ على مسيرته بعد 15 عاماً من الاحتلال والنفي، و15 أخرى في ظل حرب داخلية طاحنة لمعاقبته على خياراته السياسية وتحالفاته، أعاد تذكير من يعنيهم الأمر بأن كل مساعي القضاء عليه مستحيلة وأنه سيخرج ككل مرة أقوى من ذي قبل وأكثر تلاحماً وتجانساً». مثال آخر على عودة الدماء إلى شباب التيار ونوابه ووزرائه ومسؤوليه، هو «خروج نوابه وكوادره السبت الماضي إلى الشارع بعد عامين من ملازمة منازلهم بقوة الأمر الذي فرضته بعض المجموعات، وإصرارهم على ترؤس وفود المناطق والخروج كما سابقاً من نوافذ السيارات رافعين إشارة التيار». على أن «الفضل الأكبر» في ذلك يعود إلى قرب الموسم الانتخابي.
أما في الشقّ السياسي، فقد استفاد باسيل من محاولة جعجع إعادة عقارب الحرب الأهلية وخطوط التماس لينقضّ عليه ويهاجمه بشراسة مخيراً المسيحيين بين صورة مار مخايل وصورة الطيونة. وصوّب موقف التيار من التحقيق الذي يقوده القاضي طارق البيطار، فكان واضحاً أن الضوء الأخضر السابق لكل ما يقوم به البيطار بات يحتمل تأويلات وتساؤلات حول «التحيّز». وتؤكد المصادر أن باسيل يدرك جيداً أن تسييس التحقيق لن تقتصر تداعياته على حزب الله، بل سيشمله بالدرجة الأولى، شخصياً كوزير طاقة سابق لا عبر نواب ووزراء في التيار. لذلك تعمّد إعادة التذكير بحلفه مع المقاومة وبأن محاولات عزله بسبب موقفه لم تأت بثمارها.
نجاح باسيل في الحشد الشعبي وحدّة الخطاب السياسي أعادا النبض إلى النواب والمسؤولين؛ هجومه على قوى 17 تشرين ولجوئها إلى الولايات المتحدة لجمعها في الانتخابات وتعهده الرد على كل الإساءات المقبلة، أعطى جرعة شجاعة للحزبيين ومسؤولي المناطق. يبقى أن رئيس التيار الوطني الحر لم يفكر باليوم الذي يلي سكرة النجاح وكيفية استخدامه للحفاظ على حماسة الشارع. فلم يتكبد عناء متابعة «عودة الحزب إلى الحياة» مع الهيئات والكوادر، ولا رأى ضرورة لاطلاع القاعدة العونية على خطوط المعركة السياسية - القضائية. وهو ما أدى، كما يشير أحد المسؤولين، إلى «عودة الناشطين لتبنّي الردّية نفسها إثر أحداث الطيونة عبر اعتبار ما يحصل مشكلة بين جعجع ورئيس مجلس النواب نبيه بري دفاعاً عن وزير المال السابق علي حسن خليل أو وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس. فيما كان المطلوب أن تجرى متابعة مفصلية حول هذا الموضوع أولاً للحدّ من الاشتباك مع جمهور المقاومة، وثانياً لضمان خط الرجعة في حال تم استهداف التيار».