اتفق الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، «ثنائياً»، على أعضاء اللجنة التي ستتولّى وضع خطّة مالية جديدة للحكومة، وإجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. سيرأس اللجنة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي (المدير السابق في هيئة الأسواق المالية التابعة لمصرف لبنان)، وعضوية كلّ من: وزير المالية يوسف خليل (مدير العمليات المالية السابق في مصرف لبنان)، وزير الاقتصاد أمين سلام، المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية شربل قرداحي، المسؤول المالي في التيار الوطني الحرّ رفيق حدّاد (قرداحي وحدّاد سيُمثلان الرئيس ميشال عون في المفاوضات، وعُيّن حدّاد بناءً على اقتراح النائب جبران باسيل)… وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وقد ينضم إلى اللجنة وزير الشؤون الاجتماعية أو وزير الطاقة، من دون أن يحسم الموضوع بعد، فضلاً عن مستشارين اقتصاديين وماليين لا يزال ميقاتي يتفاوض معهم، بعدما رفض عدد من المرشحين المشاركة.من المفترض أن تُعرض اللجنة على مجلس الوزراء غداً، وتحصل على التفويض تمهيداً لوضع خطّة يشاع أنّها ستكون تعديلاً لـ«خطة التعافي المالي» التي وضعتها حكومة حسّان دياب. كذلك يُشيع أعضاء الوفد أن الخطّة «ستكون جاهزة لإطلاق المفاوضات في غضون شهرين».
تأتي هذه اللجنة ــــ بعد تشكيل الحكومة ــــ لتُجسّد انتصار «حزب المصرف»، وسعيه في المرحلة المقبلة إلى فرض رؤيته للحلّ، القائمة على تحميل الخسائر للناس وإنقاذ أصحاب الثروات وترميم النظام المالي المُنهار. رغم ذلك، تعكس تركيبتها انقساماً في التوجّهات السياسية ــــ الاقتصادية للفريقين الحاكمين في البلد: الفريق الأول يُعبّر عن «حزب المصرف» وحاكم البنك المركزي رياض سلامة، ممثلاً بحكومة ميقاتي. والفريق الثاني يُعبّر عن موقف رئاسة الجمهورية «وجزء» من التيار الوطني الحرّ.
في المحصّلة، تغلّب هذه التركيبة كفّة مصالح سلامة والمصارف وكبار المودعين وكلّ المستفيدين من النظام القائم على حساب عامة المجتمع.
اللافت في الموضوع تحوّل الرئيس (سلامة) إلى مرؤوس لكلّ من الشامي وخليل، بعدما كان رئيسهما، ولكنّ ذلك لن يُغيّر من «التراتبية» داخل اللجنة. يؤكّد أحد أعضائها أنّ «جدول الأعمال والوجهة بيد رياض سلامة».
الصندوق السيادي هو إحدى النقاط الخلافية بين فريقَي رئاسة الجمهورية والحكومة


«الأب الروحي» غير الرسمي لهذه اللجنة هو النائب نقولا نحّاس الذي يترأس الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة، وهو كان من العاملين الرئيسيين العام الماضي على إسقاط خطّة «التعافي المالي» لحكومة دياب. في تلك الفترة، كان يوجد «صوت اعتراضي» يُعبّر عنه آلان بيفاني وشربل قرداحي وهنري شاوول وطلال فيصل سلمان، بقيادة رئيس حكومة يتّفق معهم على الوجهة… وضعوا خطة أهميتها (رغم وجود ملاحظات جوهرية عليها، أبرزها الاعتبار أنّه لا حلّ سوى بالحصول على قرض من صندوق النقد، وإنشاء «صندوق سيادي» لتشغيل أصول الدولة غير المُستخدمة والاستفادة من عائداتها لتسديد جزء من الخسائر) تكمن في الاعتراف بخسائر مصرف لبنان والمصارف، وتدعو إلى تحميلهم مسؤولية معالجة الخسائر، عبر الطلب من أصحاب المصارف ضخّ أموالهم الخاصة، مع حماية الودائع التي تقلّ عن 500 ألف دولار. الخطورة حالياً، في أنّ الصوت الأقوى بات لفريق واحد.
تقول مصادر المجتمعين في بعبدا إنه «جرى التشديد من قبل الجميع على ضرورة توحيد أرقام الخسائر لأنّها نقطة جوهرية في إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد. عدم التوصّل إلى اتفاق، يعني تكرار الخطأ الذي حصل أيام حكومة دياب». وطلب عون من وزير المالية «جمع الملفات والاستفادة من محاضر اجتماعات خطّة التعافي المالي، للتوصّل إلى خطة مُستحدثة ومفاوضات مع الصندوق في أسرع وقت». بحسب المصادر، «كلّ القوى بدت متجاوبة»، إلا أنّه، عملياً، تدلّ المؤشرات على استمرار الاختلاف في المقاربات. فبحسب أحد أعضاء اللجنة، «لا يوجد جدول أعمال مُتفق عليه بعد، ولا وحدة في الموقف إزاء عناوين عدّة، وتحديداً خسائر القطاع المصرفي وتشغيل الصندوق السيادي». وما يُسوّق له فريق رئاسة الحكومة «عن اعتماد الخطة المالية السابقة، والاكتفاء بإدخال تعديلات عليها هو إرضاء شكلي لرئيس الجمهورية وتضليل، لأنه، عملياً، جوهر الخطة بتحميل القطاع المالي مسؤولياته، ضُربت». ويجري التهرّب من إعادة هيكلة المصارف «إلى إصلاح وإعادة تنظيم المصارف، واعتبار أنّها يمكنها، بعمليات تجميلية للميزانيات، العودة إلى العمل». صحيح أنّ «حزب المصرف» بات أكثر قبولاً لفكرة البرنامج مع صندوق النقد الدولي، «ولكنّه يلجأ إليه بعد ترك الليرة تنهار، وتحويل الودائع من الدولار إلى الليرة لإخراجها من القطاع المصرفي وتقليص العجز في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف، وزيادة كمية الليرات بالتداول ورفع الأسعار بشكل جنوني… وهو سيسعى إلى دفع صندوق النقد للتنازل في ما خصّ شروطه لإعادة هيكلة القطاع المالي والتدقيق الجنائي».
إعادة هيكلة القطاع المصرفي نقطة خلافية بين أعضاء اللجنة (فريق رئاسة الجمهورية، وفريق رياض سلامة)، وتضاف إليها نقطة خلافية ثانية هي «الصندوق السيادي». بحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ نقولا نحّاس يتحدّث مع ممثلي القوى السياسية عن استخدام أصول الدولة وأملاكها لإطفاء خسائر المصارف، أي أن يُستخدم المال العام وأملاك الأجيال المستقبلية لأنّ أصحاب المصارف وكبار المساهمين لا يُريدون أن يضخّوا من أموالهم الخاصة في مصارفهم. الفكرة تقوم على وضع هذه الأملاك، سواء تلك المُستخدمة حالياً وتُدخل إيرادات للخزينة العامة (كالاتصالات) أو العقارات، «وتُقسّم بين ما يُباع، وما يتم تشغيله لإطفاء الخسائر». حتى الساعة، يُصرّ رئيس الجمهورية على رفض هذا الموضوع، ولكن من غير الواضح إن كان سيتمسّك بموقفه حتى ولو عنى ذلك الصدام مع ميقاتي، أو يسعى إلى تفاهم وتنازل ما.