تقف الجامعة اللبنانية على عتبة «عهد» جديد مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الحالي فؤاد أيوب في 13 تشرين الأول المقبل، وترجيح كفة تعيين رئيس جديد في أقرب فرصة، وخلال انعقاد الجلسات الأولى للحكومة الجديدة.هذه المرحلة الانتقالية المتضمنة استحقاق الرئاسة واستحقاق تعيين عمداء أصيلين في مجلس الوزراء واستكمال انتخابات ممثلي الأساتذة وإعادة تكوين مجلس الجامعة، تترافق مع انطلاقة «متعثرة» لعام جامعي جديد ونسبة تسجيل منخفضة للطلاب، وفي وقت تسابق الكليات الوقت لكونها لم تنجز بعد أعمال العام الدراسي الماضي من دورة ثانية للامتحانات وغيرها. تدخل جامعة الـ 80 ألف طالب سنة دراسية جديدة بموازنة لا تتجاوز 25 مليون دولار سنوياً، فيما المواد المخبرية التي تحتاجها مختبراتها بالـ «فريش دولار» تلامس وحدها 14 مليون دولار، وفيما يستمر عجز الجامعة عن تنظيم المناقصات، وشراء المستلزمات من قرطاسية وأوراق وحبر وأجهزة إلكترونية، وصيانة المعدات، وتسديد عقود المصالحة للأساتذة المتعاقدين والمدربين. أما قدرة الموظفين الإداريين على المداومة وتسيير الأعمال المطلوبة، وانتظام الأساتذة والطلاب في العملية التعليمية إن عن بعد أو عن قرب، ففصل آخر من حكاية المعاناة، يبدأ بتأمين صفيحة البنزين وأجرة المواصلات وفقدان الرواتب لقيمتها الشرائية ولا ينتهي بنوعية التعليم.
(هيثم الموسوي)

«الجامعة اللبنانية في ورطة»، عبارة تكررت على لسان أكثر من أستاذ ونقابي مقتنعين بأن جامعتهم لم ولن تكون مدرجة على جدول أولويات السلطة السياسية. وهذا يستدعي من أهل الجامعة أنفسهم التفكير الاستراتيجي خارج السياق، إذ لا يمكن مقاربة أزمة بهذا الحجم بالأدوات السابقة نفسها، والخطاب النقابي التقليدي عينه.
الأستاذة في كلية الحقوق وعضو تجمع «جامعيون مستقلون من أجل الوطن»، عزة سليمان، لا تعوّل على أن تكون الجامعة ضمن برنامج أولويات الحكومة الجديدة، وكل ما سيقر من ملفات مثل الملاك والتفرغ، إذا أقرت، ستكون من باب «الرشوة الانتخابية»، تماماً كما حصل عشية الانتخابات النيابية السابقة. ولفتت إلى أن «إدارة أزمة الجامعة بمنطق التحاصص والانتفاع لم يعد ممكناً، خصوصاً أن كورونا فضحت العجز عن اتخاذ القرارات وتأمين جودة التعليم والعدالة الاجتماعية»، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى «الدوزنة» بين خطاب رابطة الأساتذة المتفرغين ومصالح الفئة التي تدافع عنهم، باعتبار أن الأزمة تحتاج إلى معالجات جذرية لا تقتصر على إقرار «اتفاق النقاط السبع» الذي أنهى إضراب الخمسين يوماً عام 2019.
الحلول المطروحة لمعالجة معوقات بدء العام الدراسي مثل الطلب من الحزب الفلاني تأمين المازوت لتشغيل «الموتيرات» للفرع الفلاني أو شراء أوراق أو أقلام للوح الصف، أو التواصل مع البلديات لدفع بدلات انتقال الطلاب إلى كلياتهم، أو محاولة زيادة ساعات التغذية الكهربائية، هي أقرب إلى «الترقيع»، بحسب وصف الأستاذ في كلية الآداب ـ الفرع الخامس باسل صالح. هذه الاستغاثة بالأحزاب سترسخ، كما قال، منطق الاستزلام والإمعان في الهيمنة السياسية والطائفية على فروع محددة، فيما يجب أن يصوّب التفكير باتجاه إطلاق حركة إصلاحية جدية متكاملة تقارب بشمولية ملفات الجامعة من تعيين الرئيس وتعيين العمداء واكتمال عقد مجلس الجامعة وإنجاز التفرغ والملاك، على أن يترافق ذلك مع كف يد السلطة السياسية عن الجامعة، وصولاً إلى الانفصال التام عن مجلس الوزراء. وفق صالح، الجامعة ليست بمنأى عن مشروع البنك الدولي «لترشيق» القطاع العام، وهي ستواجه أسئلة وتحديات مختلفة اقتصادية واجتماعية، ومنها خفض التوظيف إلى 50 في المئة، وقف المعاش التقاعدي، دمج صندوق التعاضد بتعاونية موظفي الدولة، التخمة في أعداد الطلاب، طبيعة الاختصاصات وارتباط المنظومة التربوية بسوق العمل. صالح تحدث عن انكفاء الرابطة عن القيام بدورها الحقيقي للضغط باتجاه هذه الحركة، فالمطالبة بزيادة الرواتب وما يترتب على ذلك من زيادة نسب التضخم، لن تكون حلاً فعلياً، وليست هناك دراسات جدوى في هذا الخصوص.
المطلوب التفكير من خارج السياق التقليدي وترسيخ منطق «الجامعة المنتجة»


بحسب عميد كلية الهندسة، رفيق يونس، لدى أهل الجامعة إحساس عميق بأن جامعتهم في خطر، وأن شروط البنك الدولي الموضوعة على المؤسسات العامة يمكن أن تنسف أصل وظيفة الجامعة التي تنقل المعرفة وتلبي حاجات المجتمع وتزخر بالكادرات العلمية، وفي هذه الحالة لا يمكن هؤلاء الاستسلام للأمر الواقع، إنما هم مطالبون بالتفكير الاستراتيجي لتكريس منطق «الجامعة المنتجة». يمكن أن يتحقق ذلك، كما قال، من خلال مسارين: داخلي يقضي بالتعاون بين كلياتها، فليس من مانع مثلاً أن تتشارك كلية الهندسة وكلية الصيدلة في إنتاج الأدوية. والمسار الثاني يتمثل بمشاريع مشتركة مع الوزارات على غرار ما حصل في مشروع الـ PCR بالتعاون مع وزارة الصحة، كأن ينشأ مكتب دراسات هندسية ومراكز بالتعاون مع وزارة الزراعة، والاستعانة بأطباء أسنان للعمل في عيادات جامعية، على أن تدخل 30 في المئة من العائدات في موازنة الجامعة. «الأمر يحتاج إلى وضع آليات قانونية للحصول على مداخيل تسهم في تطوير التعليم ومساعدة الطلاب وإيجاد الأطر لتوظيف طاقات الأساتذة». ورأى يونس أنه لا بديل من أن تصبح الجامعة قوية ومستقلة مالياً ولديها قدرة على الإنتاج، وأن تتخلص من منطق التحاصص الطائفي والمذهبي.
في الجامعة حالة إنكار للأزمة، بحسب الأستاذة في كلية الحقوق- الفرع الرابع سابين الكيك، في حين أن إدارتها مطالبة بتوظيف كادرات الأساتذة وخبراتهم وجعلهم فاعلين من خارج السياق عبر اعتماد أنماط تفكير جديدة ومعالجات مبتكرة ومستدامة تشبه الأزمة، ومنها تأمين الطاقة الشمسية في المجمعات الكبيرة بالحد الأدنى لتخفيف الطلب على النفط والفيول والمازوت، التعاقد مع شركات لتوفير نقل مشترك للطلاب وبأسعار مدروسة، تأمين مقومات حضور الأساتذة إلى صفوفهم وتحضير محاضراتهم من الجامعة حتى لو كان التعليم عن بعد.
الكيك قالت إن الجامعة لا يجب أن تراهن على الأوهام بأن الحكومة ستأتي بحلول سياسية واقتصادية جذرية، بالتالي لا يمكن الاستمرار بخطاب نقابي مملّ، كخطاب الرابطة الذي لا ينسجم مع حجم الأزمة، إنما يجب وضع دراسات ومشاريع جدية تراعي المعايير البيئية بصورة خاصة لضمان الحصول على تمويل من المؤسسات الدولية.
الأستاذ في كلية العلوم - الفرع الأول وعضو مجلس مندوبي الرابطة، علاء غيث، رأى أن الجامعة المنتشرة في كل المناطق لا يمكن أن تقاد بإدارة فردية بصرف النظر عن الأشخاص، وهي أكثر من أي وقت مضى تحتاج إلى تعيين رئيس وإعادة تكوين مجلس الجامعة وتعزيز موازنتها التي لم تعد تساوي شيئاً. «الطلاب والأساتذة ينتظرون من إدارة الجامعة حلولاً عملية، كأن تؤمن لهم شبكة نقل مشترك إلى كلياتهم حتى لو اضطرت إلى تحديد خطوط أساسية بحيث يتجمعون في محطات معينة». غيث تطرق إلى عدم جدوى التعليم عن بعد، فقال إن «ما يجري اقتراحه لجهة طريقة أوف لاين، أي أن الأستاذ يسجل محاضراته ومن ثم يرسلها إلى الطالب ليطلع عليها في الوقت الذي يناسبه أي حين تتوافر الكهرباء والإنترنت يقضي على أي تفاعل بين الأستاذ والطالب»، لافتاً إلى أن هناك جيلاً سيتخرج هذا العام وهو لم يتعرف شخصياً إلى أساتذته إذا تابع التعليم «أون لاين» للسنة الثالثة على التوالي.
بالنسبة إلى الأستاذة في كلية الآداب - الفرع الخامس، داليا خريباني، دعم الكادر التعليمي يجب أن يندرج في رأس سلم الأولويات، وعلى جدول المباحثات مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة على غرار ما يحصل في التعليم العام ما قبل الجامعي. «أهل الجامعة يقاتلون باللحم الحي، فالمديرون يدفعون من جيبهم لتسيير امتحانات مثلاً، والأساتذة المتعاقدون يعملون بالسخرة، والتغني بانتمائهم إلى الجامعة لا يطعمهم خبزاً، ولا يسهم في استقرارهم الوظيفي، فيما هناك حاجة لإعادة النظر بالموازنة والتشريعات لجهة رفع سقف الإنفاق، فالمليون ونصف مليون ليرة المخصصة للقرطاسية في كليتنا مثلاً لا تشتري شيئاً».