ليس خافياً أن لبنان، البلد الصغير، يحتلّ المرتبة الأولى لناحية الإصابات السنوية المسجلة لمرضى السرطان على مستوى الشرق الأوسط. وقد أرجع الأطباء وأصحاب الاختصاص ذلك إلى عوامل عدّة، منها التدخين المفرط والتلوث والعوامل الوراثية، وآثار الأسلحة التي استعملت في الحروب، ولا سيما في حرب تموز، والنفايات الصناعية التي تختلط بالمياه الجوفية، والسلع المستوردة التي تحمل كميات إشعاعات كبيرة، وانغماس المجتمع اللبناني باستهلاك الطعام الغربي الغنيّ بالمسرطنات.كل ما ذكر من أرقام وأسباب وجدت في مرحلة الاستقرار الاقتصادي، فما هي التبعات المتوقعة للانهيار الاقتصادي على أرقام مرضى السرطان؟
حالياً، يعاني اللبنانيون من انقطاع حادّ في التيار الكهربائي، الأمر الذي دفع بكثيرين الى الاعتماد الكلي على المولدات الكهربائية المنتشرة في الأحياء السكنية. وكما ذكرنا سابقاً، فإن الدخان/ التدخين هو أحد العوامل المسرطنة. وإذا كان التلوث الناتج من شركات الكهرباء البعيدة نسبياً عن المنازل يسبّب الضرر العام، فما الضرر الذي تسبّبه المولدات الكهربائية المنتشرة على سطوح المباني ومداخلها؟ وهل تراعي هذه المولدات معايير السلامة العامة بما لا يؤدي الى استنشاق القاطنين بالقرب منها كميات كبيرة من الدخان، ما ينجم عنه التهابات رئوية حادة ومزمنة وحتى السرطان.
ثانياً، وبسبب انهيار العملة الوطنية في مقابل الدولار، بات المواطن غير قادر على شراء الأصناف المعروفة التي كان يبتاعها في السابق، ما اضطرّ التجار إلى استيراد سلع مشابهة من حيث الشكل بكلفة أقلّ وأيضاً بجودة ومعايير أقل، وقد تكون بعضها منتهية الصلاحية أو تحمل مواد مسرطنة أو مشعة. وإذا ما كانت المولدات تزرع السرطان من خلال الاستنشاق، فهذه السلع ستزرعه عبر الفم.
ثالثاً، لطالما سمعنا عن تلوث بحيرة القرعون ونهر الليطاني الناتج من النفايات الحيوانية والصناعية، وقد ترجم هذا التلوث ارتفاعاً مفرطاً في نسبة المصابين بمرض السرطان وبخاصة في القرى الملاصقة للبحيرة. وإذا ما كانت الدولة قد عزمت على تنظيف بحيرة القرعون ونهر الليطاني في مرحلة ما قبل الانهيار، فقد اختفى العزم والدعم اللازم بعد الانهيار، وبالتالي فإن الوضع سيبقى على حاله، وستبقى قرى البقاع تعاني من سرطانها المائي المستفحل.
رابعاً، ارتفاع كلفة الأكل الصحي المرتكز على الخضر والحبوب والفاكهة سيدفع المواطنين نحو الأكل الغربي أكثر فأكثر وذلك لانخفاض سعره إذا ما قورن بغيره من الطعام الصحي. إذاً سنبتعد شيئاً فشيئاً عن الأكل المتوسطي المشبع بالخضر والحبوب والفاكهة والغني بمضادات الأكسدة التي تحمي من مرض السرطان، وسنتّجه نحو أكل اللحوم المثلجة والزيوت المشبعة الغنية بمواد الأكسدة المسرطنة.
خامساً، قد يلجأ مربّو الماشية والدجاج الى استعمال الأعلاف الحيوانية المسرطنة بدلاً من الأعلاف الطبيعية وذلك لتقليل التكاليف وزيادة الأرباح.
كل ما ذكر هو غيض من فيض، وإذا ما راجعنا دفاترنا، فسنجد العديد من الأمثلة التي تدقّ ناقوس الخطر محذّرة من ارتفاع مطّرد في الأمراض السرطانية في القادم من الأعوام.

* *اختصاصي طب قلب وشرايين