كان كلّ شيء مدروساً وعفوياً في آن معاً. استقبال مميّز، شكلاً ومضموناً خصه الرئيس السوري بشار الأسد لوفد طائفة الموحدين الدروز في لبنان برئاسة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان. أمضى الأسد ساعتين من الوقت في القاعة الكبيرة، فتح فيها باب الأسئلة للحاضرين، وقدّم مداخلةً وأجوبة حول لبنان وسوريا والمنطقة وموضوع الأقليات، كما تفهمه الدولة السورية. واتسع الوقت لكلمة لأرسلان الذي عقد خلوة مع الأسد قبل بدء اللقاء، ومداخلات لشيخ عقل الموحدين ناصر الدين الغريب والوزير السابق صالح الغريب ورئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب وطارق الداوود وعدد من المشايخ. حتى أن الرئيس السوري وبعد انتهاء الغداء على شرف الوفد، ودّع زوّاره عند باب القصر، وسمح بالتقاط الصور الشخصية معه للحاضرين أفراداً ومجموعات، كاسراً الحواجز الرسمية.وبلا شكّ، فإن توقيت الزيارة مميّز أيضاً. من السويداء في الجنوب السوري إلى شويا على السفح الغربي لجبل الشيخ، تعتمل في الساحة الدرزية مجموعة عناصر، تأخذ حيزاً أساسياً من الاهتمام السوري.
تتعدّى مسألة الدروز إشكالية الأقليات في المشرق الممزّق بالهويات الضيقة وصراعات الأقليات والأكثريات، إلى الدور السياسي للطائفة انطلاقاً من انتشارها الجغرافي من جبل حوران وجبل الشيخ ووادي التيم إلى الجليل في فلسطين المحتلة.
وهذه الميزة، لطالما شكّلت بالنسبة للدولة اليهودية قلقاً وفرصةً في الوقت نفسه، ولدمشق كذلك. إذ إن الدولة اليهودية بعقليتها التقليدية تراهن وتعمل وتبذل الجهد لدفع الأقليات، على أنواعها، نحو خطاب التقسيم والحكم الذاتي والعصبية الدينية لتبرير يهودية الدولة. في المقابل، تلعب سوريا الدولة دور الحاضن الوطني للأقليات والأكثريات في سياق الحرب بين الدولة الوطنية السورية والدولة العنصرية اليهودية. وفي حالة الدروز، تطمح إسرائيل دوماً إلى دويلة درزية عميلة في شمال الكيان من لبنان إلى جنوب دمشق، فيما تطمح سوريا إلى بقاء دمشق مرجعية للدروز في الشام ولبنان وفلسطين ورعاية القوى الوطنية الرافضة للاستسلام وعلى لعب الدروز دورهم الوطني في حماية دمشق من جنوبها.
في السويداء اليوم، يعمل الأميركيون انطلاقاً من قاعدة التنف وبالتنسيق مع إسرائيل، على دعم ما يسمّى «اللواء السوري» بالمال والسلاح لتشكيل حالة مسلّحة خارجة عن القانون، تحمل مشروعاً انفصالياً عن الدولة السورية. وهذا اللواء المزعوم، الذي يملك علاقات وثيقة مع العصابات الانفصالية الكردية في الشرق السوري، استطاع جمع مئات المسلّحين برواتب تصل إلى 300 ألف ليرة سورية للفرد شهرياً، ينتشر في شرق المحافظة على تخوم البادية، ويتخذ من منطقة الحريثة مقراً له. حتى أن النائب السابق وليد جنبلاط، يعتبر أن «المنظّر» لهذا المشروع في باريس، المدعو كمال أبو الخير، يعمل عند الموساد الإسرائيلي.
وفي الوقت ذاته، نرى في شمال فلسطين المحتلة، شيخ عقل الموحدّين الدروز موفق طريف، يزور على رأس وفد من رجال الدين ما يسمّى «مقام يهوذا» نبي اليهود، في خطوة غريبة، ولا تعني إلّا ارتباط طريف بالمشروع الصهيوني. وطريف هذه الأيام، لا يكتفي بالعمل داخل فلسطين المحتلة، إنّما يوسّع نشاطه ومهامه للاتصال بمجموعة من المشايخ الدروز خارج فلسطين وعلى مدّهم بالمال تحت عنوان الدعم الاجتماعي والإنساني.
وبدل أن يسهّل الأردن الأسبوع الماضي زيارة وفد «لجنة التواصل الدرزية» نحو سوريا آتياً من فلسطين المحتلة، تكفّل الأردنيون بمنع الوفد من العبور بعد أن سمح كيان الاحتلال له بالعبور بخلاف المرّات السابقة حين تم منع المشايخ والاعتداء عليهم من قبل شرطة الاحتلال.
أما في شويّا اللبنانية، فظهرت مجموعة مدفوعة بالحقد والتحريض، اعترضت آلية عسكرية للمقاومة اللبنانية واعتدت على رجالها، كانت انتهت للتوّ من القصف على شمال فلسطين المحتلة، رداً على قصف العدو للأراضي اللبنانية.
من هنا، تبدو زيارة دمشق بهذا الشكل، بالغة الأهمية، وتتضمّن عدة رسائل للقاصي والداني، عبّر عنها الأسد بقوله إن «الأقليات ليست أداةً بيد المشروع الغربي الذي يعمل على إقناعها بالتقوقع والانعزال للحماية، إنما الحلّ هو بالانصهار بالمشاريع الوطنية وضمن الأكثرية الوطنية». وردّاً على سؤال حول ردع العدو الإسرائيلي عن قصف الأراضي السورية عملاً بتجربة المقاومة اللبنانية، أكد الرئيس السوري أن «المقاومة لم تنتصر على العدو إلا بعد أن انتصرت على ميليشيا العميل لحد» في إشارة واضحة لبقايا الجماعات الإرهابية في درعا، والتي جزم الأسد بأن «دورها اليوم تخريبي وسيتم التعامل معها بحزم». وكلام الأسد حول درعا، ينسحب حكماً على السويداء وعلى محاولات «اللواء السوري» المزعوم، القيام بأعمال تخريب والترويج للانفصال في السويداء، مع أن الأسد والجيش السوري، ومنذ بداية الحرب، تعامل مع جبل العرب بعناية خاصة على الرغم من الاعتداءات التي قامت وتقوم بها العصابات الانفصالية، عبر حصر تهديداتها وتركها رهينة الوقت والفشل أمام أهالي المحافظة.
زيارة الأمس بهذه القوة والعلانية، لا تشبه زيارة جنبلاط الخجولة إلى الأردن بشيء. إنها إعلان عن عودة سوريا للعب دورها السياسي خارج متاريس الحرب على أرض الجمهورية، ومرحلة جديدة من المواجهة مع محاولات تثبيت الدولة اليهودية.


الأسد: على الأميركيين الانسحاب من سوريا
تناولت مداخلات الرئيس بشار الأسد العديد من المسائل، حيث أكّد في مسألة الجولان أن «الشعوب لديها مبادئ ولا يجب أن تتنازل عنها لتحقيق الهدف المنشود، ومن هنا لا يمكن لسورية أن تتنازل عن أي شبرٍ من أراضيها». وتحدث الأسد عن محاولات أميركية للتواصل مع دمشق، إنّما «بالنسبة لنا المسألة الأساسية هي الانسحاب الأميركي، إن لم يكن بإمكان الأميركيين الالتزام بالانسحاب فلا ثقة بأي حوار وعليهم أن ينسحبوا». وحول لبنان، أكّد الأسد أن «مكانة سورية في قلوب اللبنانيين معروفة، ونحن لن نقف عند الصغائر وعند الذين يحرضون ويشوّهون صورة سوريا، وعلى العكس سوريا ستتعاون مع لبنان، وأنا شخصياً أعطيت التوجيهات لتسهيل استجرار الغاز عبر سورية نحو لبنان، وهذا كسر لقانون قيصر». واقترح الرئيس السوري عدة مشاريع للتعاون بين دمشق وبيروت، لا سيّما في مجال الطاقة البديلة حيث أكّد أهمية قيام شركات لبنانية وسورية في الاستفادة من المساحات السورية لإنشاء مدن صناعية مشتركة ومحطات لإنتاج الطاقة البديلة.