إبادة جماعية. هذا حرفياً ما يتعرّض له مرضى السرطان في لبنان. اليوم، لا أدوية لهؤلاء، إما لفقدانها من السوق بسبب توقف شركات الدواء عن الاستيراد منذ ما يقرب من 3 أشهر، وإما لتخزين المستودعات والشركات للأدوية المستعصية والسرطانية والمزمنة، لـ«امتعاضها» من مصرف لبنان الذي يمتنع عن صرف مستحقاتها. هذا ما يقولونه. لكن، بغض النظر عن الأسباب، ثمة من قرّر أن يحرم مريضاً بالداء الخبيث من العلاج، عن سابق تصوّر وتصميم.صحيح أن أزمة الدواء عامة وتطال الناس جميعاً، إلا أن لمرضى السرطان أزمتهم المضاعفة، فالمشكلة في حالة هؤلاء «إما أن تأخذ الدواء وتعيش، وإما أن تحرم منه فتتراجع حالتك أو تموت»، على ما يقول هاني نصار، رئيس «جمعية باربرا نصار لدعم مرضى السرطان». المسألة هنا: إما حياة أو موت. ليس ثمة خيارات في حالة مرضى السرطان، إذ إن تأخير العلاج عن موعده أو توقفه، يعني تراجع حالة المريض، وبالتالي انتشار المرض في جسده أو انتقاله من مرحلة «الشفاء إلى مرحلة تطويل العمر»! وهذا ما يعني بالنسبة الى هؤلاء «آخر الدني»، يتابع نصار.
في الآونة الأخيرة، ازدادت حدّة الأزمة التي يعانيها مرضى السرطان مع فقدان بعض العلاجات كلياً. وفي هذا السياق، يشير نصار إلى أن كل المرضى الذين يعالجون بالعلاجات المناعية لم يعد بمقدورهم اليوم متابعتها «لأنو ما بقى موجود في لبنان»، لافتاً إلى أن فقدان هذه العلاجات يؤثر على صحة المريض «فمع التراجع من مرحلة إلى أخرى، تصبح المهمة أصعب». وحتى أدوية العلاج التي يستخدمها المرضى في بيوتهم باتت هي الأخرى مفقودة.
لا يختلف ما يقوله نصار عما تعلنه المستشفيات يوماً بعد آخر عن فقدان الأدوية التي تعالج بها مرضاها، وما أعلنته سابقاً وزارة الصحة عن الفراغ في مستودع الكرنتينا للأدوية المستعصية والسرطانية والمزمنة، حيث فاقت نسبة أدوية مرض السرطان المفقودة الـ 70%. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن 50 إلى 60 ألف مريض سرطان يعالجون سنوياً في لبنان هم اليوم في دائرة الخطر. وهذه الدائرة تتوسع يوماً بعد آخر، فبحسب نصار «في كل يوم هناك مئات من الاتصالات التي نتلقاها عن أدوية مقطوعة أو تسأل عنها».
بالأرقام، يشير آخر إحصاء صادر عن السجل الوطني لأمراض السرطان في وزارة الصحة (عام 2016) إلى أن هناك نحو 12 ألف حالة سرطان جديدة في لبنان كل عام. أما منظمة الصحة العالمية، فقد خرجت برقم يفوق ذلك، مشيرة إلى أن الزيادة السنوية بإصابات السرطان تصل إلى حدود 18 ألفاً، وهو ما يردّه نصار إلى شمول أرقام المنظمة للمرضى الموجودين في لبنان من غير اللبنانيين. الأزمة هنا ليست في الأرقام على خطورتها، وإنما في الانتكاسة التي يحدثها فقدان الدواء، التي يشبّهها نصار اليوم بـ«الجريمة». فبحسب نصار، ليست المشكلة اليوم مع الموت «وهو حق»، وإنما «عنّا مشكلة مع كرامة الإنسان الذي يجبر على الموت بسبب حرمانه من علاجه»، فيما «الطاسة ضايعة على مستوى الدولة، وكل يرمي المسؤولية على الآخر، ففي حين تقول وزارة الصحة بأن المسؤولية تقع على مصرف لبنان، يردّ الأخير الكرة إلى ملعب الوزارة، مؤكداً أنه حتى يستمر بدعم الأدوية السرطانية يجب أن يرفع الدعم عن بقية الأدوية».
مع ذلك، يشير نصار إلى أن مطلب مرضى السرطان «ليس تحميل المسؤولية لأحد، وإن فشل هؤلاء في سياسة الدعم المتبعة في الملفات كافة، وإنما الدواء». ولأجل هذا المطلب، يطلق هؤلاء صرختهم اليوم، اعتراضاً على الإبادة الجماعية لمرضى السرطان في لبنان، تحت عنوان «بدنا دوا للسرطان»، في اعتصام تنظّمه الجمعية السادسة مساء اليوم في حديقة جبران خليل جبران.