أكثر من مستوى أظهرته الأزمة الراهنة، يتعلّق بعودة الناس الى الزعامات التي كما يقال بالعامية «إيدها طايلة». والزعامات في هذا المجال، هم تدريجاً رؤساء البلديات والأمنيون، والنواب والمرشحون للنيابة والوزراء والوزراء السابقون، من دون أن ننسى رجال الدين الفاعلين الذين باتوا في اتصال واحد لمرجعية سياسية أو أمنية يؤمنون الكهرباء والبنزين...
أجهزة أمنية تحقّق في تورّط عناصر تابعين لها في سوق المحروقات السوداء
لم تُلغَ الانتخابات البلدية حتى الآن، وإن كان من المرجّح إلغاؤها، الأمر الذي ضاعف من همّة رؤساء البلديات في تحويل مناطق نفوذهم، وخصوصاً في الأزمة النفطية والتعامل مع المولدات الكهربائية ومحطات المحروقات، الى مادة انتخابية تُظهر فعالية الانتماء البلدي الى لوائح المدعومين والمحظيين في تحويلهم زبائن من الصف الأول لمحطات المحروقات ولجدولة برامج التقنين. والبلديات ومفاتيحها الذين استعادوا نجوميّتهم، فلا يتوقف هاتفهم عن الرنين لسؤال «الريس» عن التقنين والبنزين والمازوت، فيما هم تحوّلوا أداة في يد النواب الفاعلين والقادرين على التحكم بسوق النفط والكهرباء، على كل مساحة لبنان. وهؤلاء هم المستوى الثاني أي النواب وممثلو الأحزاب الفاعلة. النواب العونيّون وأسماء منهم معروفة في المتن وأقضية جبل لبنان، والشمال، قادرون باتصال واحد على تأمين كهرباء المولدات لبلدات بأكملها بحسب الانتماء الحزبي، مثلهم مثل نواب القوات وحركة أمل وحزب الله والمستقبل والاشتراكي. لكل حزب قطاع نفطي خاص به ومنظومة متكاملة، تحظى أحيانا بتغطية أمنية رسمية في بعض المناطق، علماً بأن هناك أجهزة أمنية تحقق في تورط عناصر تابعين لها في سوق المحروقات السوداء.
في خبر عادي وزّعه التيار الوطني الحر أنه «بمسعى من عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر جيمي جبور، يقوم التيار منذ بداية أزمة المحروقات بتأمين وصول مادة المازوت لمولدات الكهرباء في الأحياء، كما للعديد من أصحاب المصالح والمطاعم والمؤسسات ولمستشفى سيدة السلام في القبيات». هذه الغيرة العونية في تأمين المحروقات من القبيات الى المتن والبترون وكسروان وجبيل، تسندها قدرة التيار على الوصول الى شركات نفط ووزارة طاقة حليفة.
وما يسري على التيار والقوات، تشهده إقطاعيات أحزاب أمل والمستقبل والاشتراكي وحزب الله. قادة هذه الأحزاب هم المستوى الثالث من قادة العشائر والإقطاع والقبليات التي استعادت التحكم بقواعدها، التي لم تعد تطلب وساطة لدخول عسكري الى السلك ولا الى وظيفة في الإدارة العامة، ولا تثبيت أستاذ في الجامعة اللبنانية، ولا لشق طريق أو فتح مستوصف. فالانتخابات المقبلة ستكون برائحة المازوت والبنزين، سواء جاء من الشرق أو من الغرب، أو كان مخزّناً منذ ما قبل رفع الدعم، فيما اللبنانيون يرقصون ويرفعون علامات النصر وينشدون الأهازيج عن رضى البيك والزعيم والقائد عن وزرائه ونوابه وعشيرته. كأننا عام 1945 وليس عام 2021.