باشر حزب الله تنفيذ قرارٍ مفصلي في الأزمة، التي ازدادت حدّة بعد قرار حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة التوقّف عن دعم استيراد المحروقات. ففَتحُ خطّ من إيران إلى لبنان لاستيراد البنزين والمازوت سيُنتج مفاعيل تؤدّي إلى التخفيف من نتائج الأزمة. فحتى ولو لم تُشكّل حلّاً شاملاً لها، لكنّها خرقٌ لسطوة الكارتيلات والتجّار كما للقرار الأميركي بزيادة الضغوط على لبنان. إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بدء رحلة المحروقات الإيرانية إلى بيروت كان أشبه بنقطة تحوّل، دفعت بسفيرة الولايات المتحدة الأميركية إلى لبنان، دوروثي شيا، إلى استنهاض هممها وهِمم «أتباعها» اللبنانيين، وتحديداً رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. «هالَهما» الإعلان عن بدء استيراد المحروقات من إيران، فعبّرا علناً عن تبنّيهما مشروع تجويع وذلّ المجتمع وشلّ قطاعات الإنتاج والاقتصاد ومنع أي خيار بديل، خضوعاً لمصالح المُحتكرين وتنفيذاً لأوامر الولايات المتحدة وامتثالاً لهيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية على دول «العالم الثالث» تحديداً.ففي خطابه يوم الخميس، كشف نصر الله أنّ أول سفينة محروقات ستنطلق من إيران بغضون ساعات، مُحمّلة بالمازوت. رسم السيّد خطّاً أحمر حول السفينة، مُحذّراً الولايات المتحدة و«إسرائيل» من التعرّض لها لأنّها «ومنذ لحظة إبحارها أرضٌ لبنانية»! امتنع نصر الله عن إعطاء المزيد من التفاصيل، بانتظار أن تصل السفينة إلى مياه البحر المتوسط، والتاريخ المتوقّع للوصول هو بداية أيلول. يتكتّم حزب الله عن الكلام حول الموضوع، ولكن بحسب بعض المعلومات المتداولة، فإنّ الشحنة الأولى وقد دفع ثمنها رجال أعمال، ستُقدّم للدولة اللبنانية كـ«هبة» حتى يستفيد منها معملا الكهرباء في الزهراني والجية والمستشفيات والأفران. إلا أنّ ذلك مرهونٌ بموافقة مجلس الوزراء، فعادةً قبول الهبات بحاجة إلى موافقة من الحكومة، إلا إذا أُصدرت موافقات استثنائية، تماشياً مع حالة الطوارئ، كما تمّ التعامل مع النفط العراقي.
ماذا إن رفضت الحكومة تسلّم النفط الإيراني خوفاً من العصا الأميركية؟ المعلومات تُشير إلى إمكانية أن يوزّع حزب الله الشحنة الأولى على اتحادات البلديات في كلّ لبنان، لتوزّعها بدورها على أصحاب المولدات وتأمين الحاجات الفردية والقطاعات الأساسية. الباخرة الأولى لا تكفي لبنان سوى لأيام، ولكن سيكون سيل الشاحنات قد انطلق من إيران بشكل دوري، وتؤمّن حاجات محطات البنزين بأسعارٍ تنافسية وأقل من تلك المُحدّدة في السوق.
إذا لم تقبل الدولة «الهبة»، فستوزّع على اتحادات البلديات


خطوة الاستيراد من إيران لا يُقدّمها حزب الله بوصفها «خطّة إنقاذية»، بل كإجراءات سريعة ومباشرة تُحاكي حالة الطوارئ التي أوصلت السلطة السياسية والكارتيلات والحصار الغربي لبنانَ إليها. ورغم أنّ حزب الله حاول منذ أشهر الإضاءة على هذا الخيار، وطرحه على الطاولة كواحدة من الوسائل البديلة التي يُمكن للدولة الركون إليها، إلا أنّه لم يُقدم عليه إلا بعدما وصلت الأزمة إلى منحى خطير جدّاً اجتماعياً واقتصادياً. في حينه، «هَزئ» جماعة واشنطن من «التوجّه شرقاً»، واشتغلوا على شيطنة الموضوع. آخر المُضلّلين كان جعجع في حزيران، يوم سأل «هل يجوز أن نمنّنه (الشعب) بأمور غير موجودة واحتمالات لا أساس لها في الواقع؟».
جعجع، المُعتاد على تبديل مواقفه حسب مصالح رعاته، سأل أمس في حديث إلى إذاعة «لبنان الحرّ» لمن ستصل البواخر الإيرانية، «فإذا كانت للدولة، يعني أنّنا سننتقل من مشكلة إلى أخرى في ظلّ وجود العقوبات، وبالتالي ستتفاقم الأزمة»، مُعيداً تكرار حكي شيا عن أنّ «جلجلة اللبنانيين بموضوع البنزين والمازوت لا مُبرّر لها لأنّ البواخر النفطية موجودة أصلاً بالبحر، ولا قدرة للمسؤولين المعنيين على تأمين الأموال لها كي تدخل ولا يُريدون تحرير السوق». وكانت شيا قد صرّحت لـ«العربية» أول من أمس بأنّ لبنان «ليس بحاجة إلى النفط الإيراني» لأنّ سفناً عديدة تنتظر في البحر. أتى ذلك بعدما سارعت إلى محاولة احتواء الموقف، وإبلاغها موافقة إدارتها على طلب الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، وذلك بعد أشهر من المراسلات اللبنانية إلى واشنطن لـ«السماح» له بالحصول على الطاقة، من دون أي ردّ أو موافقة أميركية. يبقى الإعلان ناقصاً اقترانه بخطوة جدّية، وبتواصل الحكومة اللبنانية مع سوريا لتنسيق الخطوة معها، ولو كان من غير المتوقع أن تُعارض دمشق أي خطوة تُساهم في تخفيف الحصار عنها وعن لبنان. والتأخر في تأليف حكومة بالتأكيد سيُؤخّر إنجاز المسألة أكثر.
الهلع السياسي ترافق مع «تهديدات» أخرى، مصدرها مصرفيون ومقربون من رياض سلامة، بأنّ الاستيراد من إيران يعني فرض عقوبات أميركية، وبالتالي توقّف مصارف المراسلة في الخارج عن فتح اعتمادات تجارية للبنان. يتناسى هؤلاء أنّ العلاقة مع المصارف المراسلة، التي تُدين لها المصارف اللبنانية بما يُقارب المليار ونصف المليار دولار أميركي، مُتأزمة منذ سنة 2019، وقد بدأ عدد منها في أوروبا التوقّف عن التعامل مع المصارف المحلية. وفي 31 آذار الماضي، راسل سلامة المدعي العام التمييزي غسان عويدات، يُبلغه أنّ مصرف لبنان «أصبح في وضع صعب، فلدينا مصرف واحد هو «جي بي مورغان» يقبل بتعزيز اعتمادات لاستيراد المحروقات لمصلحة شركة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة وبعض إدارات القطاع العام».