آخر البدع أن يصبح سعر الدواء في السوق - التي باتت في معظمها سوداء - على الدولار الأميركي، فالمؤسف اليوم أنه في عزّ أزمة الناس وحاجتهم إلى الدواء، يلجأ بعض أصحاب المستودعات وبعض تجّار الأدوية الطارئين إلى تسعير الأدوية بالدولار أو بسعر ليرة السوق السوداء. هكذا مثلاً، وجد بعض الناس أنفسهم رهائن لهؤلاء ومضطرين في ظل حاجتهم إلى تلك الأدوية إلى الرضوخ لهم، خصوصاً أن البعض منها لا بديل له. ولم يعد مستغرباً هنا - وعلى سبيل المثال - أن يجري تسعير دواء normix (وهو يستخدم لعلاج حالات الإسهال) بـ15 دولاراً أميركياً أو ما يعادله بالليرة اللبنانية على حساب سعر الصرف اليومي، أو أن يصبح سعر دواء crinon، عند الحاجة إليه مليوناً ومئتي ألف ليرة لبنانية، وهو الذي يبلغ سعره في الواقع 100 ألف ليرة. أما الأنكى من كل ذلك أن يستغل «بعض الصيادلة حاجتنا للدواء لبيعه بسعرٍ مغاير للسعر الموجود على العبوة، فمثلاً يبيعونه بـ30 ألف ليرة بدلاً من20 ألف ليرة»، على ما يشير بعض المشتكين من الحال التي وصل إليها قطاع الدواء.اليوم، تسوق الفوضى قطاع الأدوية، حيث «حارة كل من إيدو إلو»، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، منطلقاً من الجولات اليومية التي يقوم بها كطبيب لمساعدة مرضاه في إيجاد الأدوية، والتي لا توجد في الكثير من الأحيان. وهي جولات تصبح أسوأ يوماً بعد آخر، بسبب ازدياد لائحة «المفقودات». ولا يتوقع عراجي انفراجة قريبة في القطاع، لبقاء الأسباب على حالها، فمن جهة لا يرقى تعامل حاكمية مصرف لبنان مع الملف إلى المستوى المطلوب لناحية اعتباره أولوية اليوم، فيما يقف على الطرف الآخر من المعادلة المستوردون وأصحاب المستودعات. في المقام الأول، لا تزال حاكمية مصرف لبنان تتصرف على قاعدة كأن لا دخل لها بما يجري بحياة الناس، إذ تبرمج مصروفاتها على أساس أولوياتها التي لا تأتي حاجات وأدوية الناس في مقدمها، وهذا ما بينته الأشهر الأخيرة من عمر الأزمة. وإذ صرفت الحاكمية الشهر الماضي 87 مليون دولار أميركي (50 مليوناً للدواء على أساس الاتفاق الأخير و37 مليوناً للمستلزمات الطبية)، إلا أن أحداً لا يعرف ما إذا كانت تلك الدفعات مستمرّة. وتعزو مصادر وزارة الصحة هذا الأمر لسببٍ بسيط هو «الثقة المفقودة بين الكل، كما الضبابية التي تلفّ القرارات التي تصدر من المركزي».
سدّد مصرف لبنان الشهر الماضي 87 مليون دولار، مقسمة ما بين 50 مليوناً للدواء و37 للمستلزمات الطبية


مع ذلك، يبقى المركزي، على أهمية ما يصدره من قرارات، واحداً من المسؤولين عن فقدان الأدوية من السوق، أما الجزء الآخر من المسؤولية فيتحمله المستوردون وأصحاب المستودعات ووزارة الصحة أيضاً في «إرخاء الحبل» لهؤلاء وعدم اتخاذ قرارات حاسمة تعيد ضخ أدوية مفقودة إلى السوق، عن طريق الاستيراد الطارئ.
اليوم، يمتنع هؤلاء عن الاستيراد وعن التسليم، وبرغم صرف مصرف لبنان الشهر الماضي ما قيمته 50 مليون دولار على دفعتين، إلا أنهم لم يعتبروا أن هذا المبلغ قد صرف ضمن الاتفاق على لائحة أولويات شهرية، وقد ارتأوا اعتبار ذلك بدل «دفع مستحقات قديمة لهم»، على ما تقول المصادر، علماً أنه مع إقرار الاتفاق مع حاكمية المصرف في القصر الجمهوري، جرى التوافق على فصل الخمسين مليوناً عن جدولة المستحقات القديمة. وخلال الاجتماع، قدم المستوردون طرحاً يقضي بتقسيم الـ50 مليوناً الشهرية ما بين 25 مليوناً لاستيراد الأدوية مقابل 25 مليوناً لتسديد المستحقات السابقة، وهو ما تم رفضه. ولأجل ذلك، يفضل هؤلاء اليوم ابتزاز الناس بحبة الدواء عبر الامتناع عن استيرادها والضغط بالتالي على المعنيين بالدواء، كما امتناع أصحاب المستودعات عن تسليم ما هو موجود أيضاً في مستودعاتهم. أما البيع على أساس السعر الذي أقرته الوزارة بقيمة 12 ألفاً، فلا يبدو أن هناك من يلتزم بها، باستثناء بعض الوكلاء، حيث أن البعض يبيع اليوم على سعر صرف السوق.
وبرغم ذلك، لا حراك في الملف، باستثناء زيادة الفوضى في السوق. أما بالنسبة لوزارة الصحة العامة، فثمة «عطلة مستقطعة» اليوم ريثما يعود وزير الصحة العامة، حمد حسن، من موسكو لإعادة تحريك المياه الراكدة!