الأسئلة الأمنية والجنائية كثيرة بشأن الجريمة التي وقعت أمس في خلدة، كما حول جريمة الجية في اليوم السابق. هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها سوى بعد تحقيق جدّي محايد. أما في السياسة، فلا يمكن فصل ما جرى في خلدة عن المسار العام. بعد 17 تشرين الأول 2017، ومن ثم تفجير المرفأ، استعجلت دول التحالف المعادي للمقاومة فتح معركة الانتخابات النيابية المقبلة. تلك الدول تسعى إلى الاستثمار في كل حدث يقع في البلاد، وتعيد تصويب مسار عملها بعد درس ما تحقق وما فشلت في الوصول إليه. لكن ما جرى في خلدة يكاد يكون أبعد من الاستثمار في حدث وقع، وصولاً إلى ما يبدو أنه صناعة الحدث عينه. ثمة قرار مُتّخذ من السفارات السعودية والأميركية والإماراتية، لجرّ لبنان إلى مزيد من الفوضى. وهذا القرار لا يحتاج إلى الاستقصاء للعثور على أدلته. في السعودية، الأمر محسوم منذ عام 2017. وصلت المغامرة بمحمد بن سلمان إلى حد اختطاف رئيس حكومة دولة «مستقلة» وإجباره على الاستقالة، لأنه رفض الخوض في مسار تدمير بلاده أمنياً. والقرار السعودي لا يزال على ما هو عليه: يجب أن تتحقّق أهدافنا في لبنان، وأولها إسقاط حزب الله، بصرف النظر عن ثمن ذلك على اللبنانيين.في ذلك، يتلاقى النظام السعودي مع نظيره الإماراتي الذي تضاعفت أسباب رغبته في تسريع الانهيار في لبنان، بعد إعلان التحالف الاستراتيجي بين أبناء زايد والعدو الإسرائيلي. أما الولايات المتحدة، فتستثمر في الانهيار حتى مداه الأقصى. وهي تعتبر أنها تمكّنت من تحييد مصالحها، والمؤسسات التي تراهن عليها، بأقل الخسائر الممكنة. سعيها إلى تدعيم تلك المصالح والمؤسسات، سواء بتأليف حكومة أو بعرقلته، لن يثنيها عن الاستمرار في معركتها الرامية إلى محاصرة حزب الله وإضعافه والمس بهيبته وشعبيته، وصولاً إلى نزع أسلحته، وتحديداً منها الصواريخ الدقيقة. وهي في هذا السياق تسعى إلى إغراقه في المشكلات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية... وصولاً إلى الأمنية. ما جرى في خلدة لا يخرج عن هذا المسار. منذ نحو عامين، لم تتوقف محاولات استدراج جمهور الحزب إلى نزاع دموي، سواء على الطريق الساحلي، أو في مناطق أخرى. صحيح أن تيار «المستقبل» كان في كل مرة يتورط في التغطية السياسية للمرتكبين، لكنه لم يكن محرّضهم في معظم الأحيان، بل كان يُستدرَج إلى ذلك الموقف نتيجة المزايدة المذهبية. المحرّضون الحقيقيون تعرفهم الأجهزة الأمنية، وتعرف ارتباطهم بالسفارات السعودية والأميركية والإماراتية. وجريمة خلدة أمس تتحمّل مسؤوليتها تلك السفارات. الأجهزة الأمنية ستلاحق مطلقي النار، لكنها لن تقترب من الذين حرّضوهم. فهي تعلم أن الدماء التي سقطت في خلدة تغطي أيدي دوروثي شيا ووليد البخاري.