لم تنفع كل الاجتماعات التي عقدها علماء عكّار مع مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان ورؤساء الحكومات السابقين. سعد الحريري غسل يديه من الملف سريعاً. فؤاد السنيورة سمعهم وزكّى نجيب ميقاتي للحل. ميقاتي طالب بموازنة دقيقة لدائرة أوقاف عكّار. بعد أشهر، سلّم المشايخ هذه الموازنة إلى مسؤوله المالي من دون أن يسمعوا خبراً من «دولته».هكذا انتهت الجولة ولم يمد أحد الرؤساء يده إلى جيبه. في المقلب الآخر، سدّ سفراء الدول العربيّة آذانهم عن اتصالات العلماء. أمّا دريان فاستخدم أسلوباً آخر. هو يقدّم الوعود تلو الأخرى. مرّة يُبشّر المشايخ بـ«عيديّة» من إحدى الدول العربية، ومرة أخرى بهديّة، ومرّات بـ«كراتين إعاشة». ولكن كل هذه «المكرمات» لم تأتِ. وحدها القسائم الشرائيّة المُقدّمة من الإمارات تسلّمها المشايخ بطريقة مُهينة ليتبيّن أنّها لا تتخطّى الـ300 ألف ليرة لبنانيّة.
ولأن دريان لا يريد أن يُعطي الجهاز الديني من كيس دار الفتوى، قرّر اتباع سياسة تقليم الأظافر مع أكثر من 850 شيخاً يعملون كموظفين رسميين في 350 مسجداً في عكّار كأئمة ومدرّسين وخطباء وخَدَمة... من دون مقابل. هو لم يعد يرد على اتصالاتهم. وأكثر من ذلك، قرّر أن يقطع عنهم المساعدة المالية التي كانت تُقدّمها دار الفتوى إلى 240 منهم، والتي تُقدّر بـ150 ألف ليرة لبنانيّة شهرياً. لم يُفصح «سماحته» عن أسباب توقّف المساعدة، ولكن بعض المقربين منه أبلغوا مشايخ عكّار أنّها نتيجة مطالبتهم باستقالة مفتي الجمهورية.
إذاً، دريان مستاء من التحركات التي يقوم بها علماء عكّار. وبدلاً من الوقوف إلى جانبهم، قرّر مقاطعتهم ومعاقبتهم. هؤلاء طلبوا منه أن يُعيّن مفتياً لعكار كي يقوم الأخير بالتنسيق بينهم وبين «عائشة بكار»، خصوصاً أنّ عكّار محرومة من هذا المنصب منذ أكثر من 50 سنة. المفتي وعدهم خيراً، ولكن كلام الحريري كان مُغايراً، إذ إنّه يريد التمثّل بنموذج السعودية بإلغاء مناصب مفتي المناطق والاكتفاء بمنصب مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة!
وعليه، لم يجد علماء عكار آذاناً صاغية لدى دريان أو رؤساء الحكومات. هم لا يريدون حصصاً غذائيّة، بل جلّ ما يطمحون إليه هو تلقي رواتبهم مع تأمين صحي، على غرار علماء بيروت، إضافة إلى تعيين مفتٍ يتابع شؤونهم.
الحريري يريد التمثّل بالسعودية: إلغاء مناصب مفتي المناطق والاكتفاء بمنصب مفتي الجمهوريّة


كلّ صرخاتهم ذهبت أدراج الرياح. ولذلك، لم يجدوا حلّاً إلّا الدعوة لاعتصامٍ غداً (السبت) أمام دار الفتوى لمطالبة دريان «بتحمّل مسؤولياته كاملةً وتأمين حقوق الجهاز الديني في عكار فوراً، وإلا فالاستقالة وترك المجال لغيره لعل الله يكتب الخير على يدي غيره»، مذكرين بأن «حقوقهم أهملها مفتي الجمهورية ونسي أهل عكار ومآسيهم، وحوّل دار الفتوى إلى استقبل وودّع».
وما إن سمع المحيطون بدريان بالدعوة إلى الاعتصام، حتى حاولوا فضّه كما حصل منذ أشهر. الشيخ نفسه الذي أحبط الاعتصام الأول، عاد واتصل بمشايخ عكار وكرّر على مسامعهم أنّ هناك هديّة من إحدى الدول العربيّة ستُقدّم إلى العلماء في عيد الأضحى، ناصحاً إياهم بإلغاء الاعتصام لأنّ دريان موجود خارج البلاد وسيقضي العيد في الخارج، على أن يؤم أمين عام دار الفتوى الشيخ أمين الكردي المصلين في أول أيام العيد.
ومع ذلك، تمسّك المشايخ بالاعتصام على اعتبار أنهم ملّوا من الوعود التي لا تتحقّق، والعذر المعطى لهم بأن دريان سافر إلى الخارج، هو في رأيهم «أقبح من ذنب».
في المقابل، هناك من يُحاول عدم إثارة غضب «سماحته» الذي يتهمهم بالتطاول عليه إذا ما رفعوا الصوت عالياً مطالبين بحقوقهم. ولذلك، هم سيحاولون السير بين النقاط في البيان الذي سيُتلى غداً كي لا يُفهم تحرّكهم على أنه استفزازي أو تطاول، وفق ما يقول رئيس «لجنة متابعة حقوق علماء عكار» الشيخ محمّد اسكندر الذي يشدّد لـ«الأخبار» على أن هدف التحرّك هو «مناشدة الجميع بمن فيهم المفتي والدول العربية لإيجاد حلول لمشكلتنا».