في الأيام القليلة الماضية، وصلت ساعات التقنين التي فرضها أصحاب مولدات الاشتراك في بعض المناطق إلى أكثر من تسع ساعات فيما هدّد آخرون بالتوقف نهائياً، «ما لم تتوافر مادة المازوت بسعر مناسب» على ما ورد في بيانات لبعضهم.بين التقنين «الرسمي» و«التقنين على التقنين» الذي يفرضه أصحاب «الحق الحصري» في الاشتراكات في المناطق التي «يحكمونها»، تذهب غالبية المُقيمين «فرق عملة». صحيح أن حجة عدم توافر مادة المازوت في بلدات، كالزهراني وزفتا في جنوب لبنان، تُبرّر خطر العتمة الذي كاد أن «يُهجّر» عدداً من الأهالي لولا «تبرّع» البلديات بتوفير المازوت، إلا أن غياب «الخيارات» ومنح «احتكار» تمديد الاشتراك لجهات محددة، يجعلان مئات الآلاف في غالبية المناطق «رهائن» لدى هؤلاء الذين، بفعل أزمة شح المازوت، يتحكّمون بحياة الناس في ظلّ تصدّع الدولة وإفلاسها.
أحد أصحاب المولدات قال لـ«الأخبار» إنه استقبل «وفوداً» من أبناء البلدة التي يعمل في نطاقها للاتفاق على جدول للتقنين. إلا أن هذا «التعاون» استثناء وليس القاعدة. فغالبية المقيمين يتبلّغون، عبر رسائل الواتساب، الجداول اليومية للتقنين «من دون أن نملك خيار الاعتراض»، على ما يقول أحد ساكني العاصمة، فيما «يصعب لوجستياً الخضوع لمزاج آلاف المُشتركين وتوقيتهم في المدن»، وفق أحد أصحاب المولدات في منطقة الشياح، لذلك «نضطر لتحديد التوقيت الأنسب كما نراه للجميع». وبطبيعة الحال، لا «صيغة» موحدة بين أصحاب المولدات تحدد «التوقيت الأنسب»، ليعود الأمر إلى «اجتهاد» كل صاحب مولّد.
في إحدى البلدات الجنوبية مثلاً، عرض صاحب المولّد على المُشتركين عدم قطع التيار أبداً مع قدرته على تأمين المازوت من السوق السوداء، «شرط عدم الاعتراض على الفاتورة»، فيما قرّر آخر في منطقة جبل لبنان الالتزام بتسعيرة وزارة الطاقة، ولكن مع اعتماد تقنين أربع ساعات يومياً، بمعزل من توافر مادة المازوت، «ليتمكّن الناس من الدفع وكي أضمن حصتي من الربح».
هذه الاستنسابية لا تعني فقط الخضوع لـ«مزاج» أصحاب المولدات الذين سلّمتهم الدولة - بسياساتها الترقيعية في معالجة ملف الكهرباء - السكان رهائن لهم، بل تعني أيضاً غياب العدالة بين المُقيمين في الحصول على الكهرباء. فـ«وحده الحظ من يجعلك تنعم بساعة إضافية من الكهرباء لأن صاحب المولد قد يكون صاحب نفوذ يسمح له بالحصول على مازوت من السوق السوداء أو لديه مستوى أعلى من الضمير» على ما يقول أحد المشتركين.
لا «صيغة» موحدة بين أصحاب المولدات تحدد «التوقيت الأنسب» لإعطاء الكهرباء


وسط هذا الواقع الضاغط، يجد كثيرون في البلديات متنفساً للشكاوى ووجهةً للمطالبة بتحسين الوضع. قبل أيام، أطلق رئيس بلدية الغبيري معن خليل مبادرة لـ «منع الاحتكار والمساهمة في دعم المواطنين من خلال توفير الطاقة بأسعار تنافسية»، عبر دعوة أصحاب الرساميل من المُقيمين والمغتربين لتركيب مولدات كهربائية ضمن نطاق بلدية الغبيري «مع التأكيد على استعداد البلدية لتقديم كامل الدعم الفني والمُساعدة الممكنة».
في اتصال مع «الأخبار»، أوضح خليل أن كثيرين من أصحاب الرساميل والمقيمين في النطاق البلدي رحّبوا بالفكرة، «ونحن بصدد المباشرة فيها خلال الأيام المُقبلة لكسر الاحتكار»، مُشيراً إلى أنها مبادرة «قابلة للتعميم في القرى حيث العدد السكاني أقل والقدرة أسهل لكسر الاحتكارات».
وإلى تلك المُبادرة، نشطت محاولات أخرى لبعض السلطات المحلية تمثلت إما بتأمين المازوت المدعوم وتوزيعه على المحطات، كما حصل في حالة اتحاد بلديات الضاحية سعياً لخفض عدد ساعات إطفاء المولدات، وإما عبر جمع تبرعات من المتمولين في البلدات الصغيرة لشراء مولدات صغيرة خاصة لتأمين الكهرباء للمحتاجين. ففي بلدة العباسية (قضاء صور)، مثلاً، عمدت البلدية بالتعاون مع أحد متمولي البلدة إلى اعتماد الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة لتشغيل مضخات المياه والحرص على عدم انقطاعها.
صحيح أن هذه المبادرات نتاج طبيعي لغياب السلطات «الكبرى»، إلا أنها إجراءات «ثقيلة» على مئات البلديات التي تصارع حالياً لتأمين رواتب موظفيها ولتسيير شؤونها الخاصة. فعدا عن الجانب المتمثل بالسعي إلى كسر الاحتكارات المتفق عليها داخل البلدة الواحدة وما يمكن أن يثيره من صدامات بين العائلات، ثمة شق مرهق يتمثل بتفاقم الملفات الحياتية الأساسية التي باتت من مهام البلديات على صعيد النفايات والصحة وغيرها، علماً أن صرخة الكثير من رؤساء البلديات بدأت تعلو منذ أشهر بسبب خطر «الإفلاس» نتيجة انخفاض نسب الجباية وعدم الحصول على الأموال المستحقة من الصندوق البلدي وتضاعف المصاريف والتكاليف في ظل توالي الأزمات.



اللامركزية المفروضة
مصادر إدارية معنية بالبلديات اختصرت الواقع بالقول: «ما يحصل مع البلديات وتسليم المهام لها في ظل الانهيار الحاصل أشبه بتأسيس مرحلة مقبلة تكون فيها كل من السلطات المحلية مسؤولة عن «جماعتها»، فتدير جميع الشؤون الحياتية التي كانت منوطة بالدولة ومؤسساتها عبر استخدام مواردها الخاصة. وكل بلدية «وشطارتها»، لافتة إلى أن «المؤسف أن عشرات البلديات ستجد نفسها عاجزة عن تحمل أي من المهام المنوطة بها وستتحول إلى مجرد متنفس لغضب القاطنين ضمن نطاقها».