خيبة أساتذة الجامعة اللبنانية من سوء الأداء المتراكم لرابطة المتفرغين قادت إلى تعليق نحو 34 مندوباً من أصل 157 مندوباً نشاطهم في مجلس المندوبين واستقالة أستاذتين من عضوية الهيئة التنفيذية للرابطة. خطوة الأساتذة جاءت عفوية اعتراضاً على بيان للرابطة وصف بالإنشائي والتوصيفي للواقع، إذ رفضوا أبرز ما جاء فيه لجهة تجاهل أو تهميش مطالبتهم بتحقيق الاستقلالية المالية والإدارية والاستفادة من فحوص الـPCR التي تُجرى في حرم كلية العلوم لتأمين الأموال للجامعة ورفض زيادة الأنصبة وإعلان التوقف عن تسيير أعمال الامتحانات وغير ذلك من الخطوات التصعيدية.الصرخة بدأت تعلو منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين، وتحديداً في 18 حزيران حيث نفّذ الأساتذة إضراباً دام خمسين يوماً، احتجاجاً على «احتجاز» ملفاتهم بغياب مجلس الجامعة ومجلس الوزراء. الأساتذة المتعاقدون بالتفرّغ لم يدخلوا الملاك ولم يعد بإمكانهم القيام بواجباتهم العائلية والأكاديمية بسبب تدهور قيمة راتبهم. الأساتذة المتعاقدون بالساعة أعلنوا الإضراب لأسابيع وعبروا عن معاناتهم، إذ أن ما يتقاضونه بعد سنتين من العمل فقد قيمته الشرائية أيضاً. الأساتذة المتعاقدون الذين بلغوا السن القانونية منذ عام 2019 باتوا من دون راتب تقاعدي ولا تغطية صحية، لكون العرف كان يقضي بدخولهم الملاك بعد خروجهم إلى التقاعد ولم يعد ذلك مُطبّقاً، فيما سُحب مشروع القانون المتعلق بهذا الملف من الجلسة التشريعية الأخيرة للمجلس النيابي.
وكان بيان الرابطة أعقب جمعيات عمومية في ستة فروع عُقدت لرسم خطة تحرك في اتجاه تحقيق المطالب، إلا أنه لم يجر تبني أيّ من شكاوى الأساتذة وتوصياتهم، كما قال مندوب كلية الآداب كامل صالح الذي قدم استقالته من مجلس المندوبين من دون أن تُقبل حتى الآن. صالح تحدث عن ميوعة لدى الرابطة في التعامل مع حقوق الأساتذة وتسفيه لقضاياهم التي لم تجر معالجتها بجدية وبخطة متدحرجة وتصعيدية، إذ أن الهيئة التنفيذية لم تقم بواجبها في حماية الأساتذة، ولا تزال تحارب طواحين الهواء، في حين أن الأستاذ يخاف أن يمرض أو يدخل المستشفى.
«هي خطوة اعتراضية على أداء سيّئ ومشبوه لرئيس الهيئة التنفيذية للرابطة عامر حلواني المنتمي إلى تيار المستقبل ولأعضاء الهيئة»، كما قالت مندوبة كلية الإعلام في الرابطة وفاء أبو شقرا، مشيرة إلى «أننا وصلنا إلى ما كان يجري تداوله همساً لجهة أن الرئيس الجديد سيوقف كل ملفات الأساتذة والجامعة تنفيذاً لأجندات سياسية معينة». أبو شقرا قالت: «إننا، كمندوبين من انتماءات مختلفة، نشطْنا بعدما وجدنا أن الرابطة هجينة عن الجامعة ولا تمثل مصالح الأساتذة، إذ أن عملها لا يتجاوز تقطيع الوقت، وهي تداوي التورم السرطاني بالبيتادين». أبو شقرا تتطلع لأن تتدحرج كرة الثلج على طريق نزع شرعية الهيئة التنفيذية وتنظيم انتخابات جديدة للرابطة.
بيان الرابطة توصيفي وإنشائي ولا يعكس توصيات الجمعيات العمومية


بالنسبة إلى الأستاذة في كلية العلوم وفاء نون، فقدت الرابطة شرعيتها المتأتية من التمثيل الفعلي والممارسة النقابية لا من خلال الانتخابات، وذلك عندما قاطع الأساتذة الجمعيات العمومية، وعندما أتى رئيس هيئتها التنفيذية وأعضاء الهيئة إلى هذه الجمعيات من دون خطة أو رؤية للمرحلة الحالية والمقبلة ليقولوا إن لا ضوء في آخر النفق، وعندما زُوّرت المحاضر بعدم الأخذ بالتوصيات والاقتراحات للأساتذة، ومنها ما اقترحته نون شخصياً لجهة المطالبة بتحقيق استقلالية الجامعة وتحويل أموال الـ PCR إلى الجامعة وإقرار المنح الاجتماعية للطلاب. ودعت نون أعضاء الهيئة التنفيذية للاستقالة حفاظاً على كرامة الأستاذ الجامعي.
وبحسب الأستاذة في كلية الحقوق سابين الكك، انتفض أساتذة الجامعة على السلطة السياسية واستشعروا الأزمة قبل 17 تشرين، ثم حاولوا مواجهة كورونا والأزمة الاقتصادية بعقلانية وقاموا بأدوارهم كاملة وبحقوق منقوصة، ولكن لم يعد مقبولاً اليوم أن يقفوا شهود زور على السيطرة الحزبية في الجامعة وكيفية إدارتها سواء من الرابطة أو من رئاسة الجامعة أو من السلطة.
عضو الهيئة التنفيذية المستقيلة نايلة أبي نادر (فازت في الانتخابات على لائحة المعارضة) قالت: «إننا حاولنا من داخل الهيئة أن نعكس واقع ما يجري، ولكن يبدو أن الأكثرية لم تكن مقتنعة بتبديل آلية التعامل مع الوضع المأزوم، فالآلية المعتمدة لم تكن تواكب السرعة التي تتدهور فيها الأوضاع، وبتنا نشعر بالغربة بين الزملاء، وأصبحنا في حيرة من أمرنا، إذ أن أخلاقنا النقابية لا تسمح لنا بالتصويب على الهيئة ونحن جزء منها، ولا تسمح أيضاً بالتغاضي عن صرخات الغضب لدى الأساتذة، لذا فضّلنا أن نعود إلى مجلس المندوبين عندما أصبحنا على بينة بأن حضورنا في الهيئة لن يكون فاعلاً».
في المقابل، استغرب رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة، عامر حلواني، خطوة المندوبين، «خصوصاً أننا لم نلمس في الجمعيات العمومية أي توجهات لدى الأساتذة بالتصعيد من مقاطعة الامتحانات النهائية وما شابه»، مشيراً إلى أن الأمور لم تصل بعد إلى طريق مسدود، إذ لا يزال التشاور قائماً مع رئيس الجامعة بشأن الملفات وثمة اجتماع قريب مع اللجنة القانونية. وقال: «نتفهّم الوضع النفسي للأساتذة وسنمضي بكل التحركات التي يوصوننا بها»، لافتاً إلى «أننا ترجمنا في بياننا ما سمعناه في الجمعيات العمومية». أما الاعتكاف والاستقالة فليسا موجوديْن، بحسب حلواني، في النظام الداخلي، واضعاً الخطوة الاعتراضية في خانة الذيول الانتخابية، إذ أن جميع المعترضين كانوا من المعارضين للائحة الفائزة.