الفوز الساحق الذي حققه تكتل «النقابة تنتفض» في انتخابات المرحلة الأولى من نقابة المهندسين فجّر الآمال بحصول تغيير على صعيد أوسع. لكن الأمر ليس بهذه البساطة أو السذاجة، فالمعركة ما زالت قائمة بمرحلتها الثانية في 18 تموز لانتخاب نقيب وستة أعضاء عن الجمعية العامة، إضافة إلى اختيار واحد من المرشحين الخمسة الذين فازوا في الفروع الأربعة التي جرت انتخاباتها الأحد الماضي. وهي قائمة أيضاً، لأن ما حصل، رغم أهميته وحجمه، يواجه تحدّي أن يعبّر عن تغيّر في مزاج الطبقة الوسطى التي يصنّف المهندسون من نخبتها، فضلاً عن أن ميزان القوى لم ينقلب تماماً لمصلحة الحراك أو «النقابة تنتفض»، أو على الأقل هذا ما يجب أن تكرّسه المرحلة الثانية من الانتخابات
من أصل نحو 8 آلاف مهندس شاركوا في الانتخابات التمهيدية في نقابة المهندسين الأحد الماضي، حاز تكتل «النقابة تنتفض» 78% من الأصوات مقابل 22% لأحزاب السلطة. النتيجة واضحة، لكنها لم تحسم المعركة بعد. فرغم أن تكتّل «النقابة تنتفض» تمكّن من الاستحواذ بشكل كامل على الفروع: الأول والثاني والسابع، مقابل استحواذ أحزاب السلطة مجتمعة على فرع المهندسين الموظفين في القطاع العام، إلا أنه في 18 تموز الجاري سيخوض الطرفان المعركة الكبرى على انتخاب نقيب وستة أعضاء عن الجمعية العامة.
انتخابات الأحد كانت تمهيدية. في هذه المرحلة يتم انتخاب هيئة المندوبين بشكل نهائي، وانتخاب خمسة مهندسين عن كل فرع من فروع النقابة السبعة. وفي المرحلة التالية، يجري انتخاب مهندس واحد من الفائزين في الانتخابات التمهيدية عن الفروع وانتخاب مهندسين عن المقاعد التي شغرت في الجمعية العامة وفي مركز النقيب. بهذا المعنى، فإن المرحلة الأولى قد تنتهي بفوز كبير كما حصل الأحد الماضي، إلا أنها أيضاً تعبّر عن مدى جاهزية الأطراف الذين يخوضونها من أجل الحسم النهائي للمعركة في إطار المسار الذي حدّده كل فريق لنفسه منذ البداية.
وبمعزل عن العناوين الخطابية التي تجترّها الأحزاب في مقاربة احتلالها لمواقع مختلفة في نقابة المهندسين، إلا أن عنوان معركتها الحالي فارغ تماماً. فهي تدافع عن وجودها واستمراريتها في النقابة فقط. تدافع عن الكراسي التي تتداولها من مرشح إلى آخر، رغم الخروقات التي تعرضت لها مرات عديدة على أيدي النقباء عاصم سلام وصبحي البساط وجاد ثابت، وفي الأعضاء أيضاً عن الجمعية العامة والفروع مثل أحمد عبد الله، وسني الجمل، وسلامة حشيمي، وفخر دكروب، وعبدو سكرية، وسواهم.
في المقابل، يخوض تكتل «النقابة تنتفض» معركة سياسية عنوانها «مواجهة السلطة». هذا العنوان فرضته المرحلة الممتدة من 17 تشرين الأول 2019 لغاية اليوم. ففي هذه الفترة تبيّن أن نقيب المهندسين جاد ثابت ومجلس النقابة فشلوا في حماية أموال النقابة من الذوبان الذي أصابها، كما أصاب الودائع. كان لدى النقابة نحو 450 مليون دولار موزّعة على عدد من الصناديق أبرزها: صندوق التقديمات الاجتماعية (الصحية)، صندوق التقاعد، صندوق المهندسين الأحرار. طبعاً لم يكن هناك إجماع على عنوان المواجهة السياسية، إلا أن المنطق فرض نفسه بعد الانهيار، إذ باتت الأموال في النقابة تساوي فعلياً نحو 50 مليون دولار، فأصبحت المعركة السياسية هي الأكثر جدوى بين المعارك الأخرى بعد الخسارة اللاحقة بأموال النقابة.
المواجهة السياسية هي عنوان يتداخل فيه ميزان القوّة على الساحة المحلية مع عوامل اقتصادية واجتماعية محرّكها الأساسي الانهيار النقدي وما تلاه من سلوك السلطة في التعامل معه لتذويب خسائر مصرف لبنان عبر إفلات آلة التضخّم لتأكل المداخيل والمدخرات. ما حصل هو أن الأزمة أصابت المهندسين في صميم مداخيلهم ومدخراتهم. هم يعدّون من نخبة الطبقة الوسطى الذين أصيبوا بتدهور قيمة الليرة، وباقتطاع واسع من مدخراتهم وأصولهم. وبما أن مداخيلهم ومدخراتهم كانت، نسبياً، أعلى من غيرهم، فإن الأذى الذي لحق بهم أكبر، وبات يشكّل جزءاً من وعيهم السياسي في ظل الأزمة.
المهندسون يصنّفون من نخبة الطبقة الوسطى الذين أصيبوا بتدهور قيمة الليرة وباقتطاع واسع من مدخراتهم وأصولهم


تتعزّز هذه النتائج باستبيان نُفّذ في النقابة، وخلص إلى أن أكثر من 4 آلاف مهندس فقدوا وظائفهم في 2019. لكن تقديرات مبنية على عدد شركات المقاولات الناشطة، تشير إلى أن العدد قد تضاعف في السنة السابقة وبات أكثر من 15 ألفاً اليوم، أي أكثر من ثلث المهندسين المسجلين على لوائح النقابة الذين يحق لهم الانتخاب وعددهم 47 ألفاً. فمن أصل 3000 شركة مقاولات وتعهدات مسجّلة في نقابة المقاولين (الشركات التي لا يملكها مهندس لا يمكنها التسجيل في نقابة المهندسين) لم يكن ينتظم منها في تسديد اشتراكاته، في آخر ثلاث سنوات، أكثر من 600 شركة، وهذه السنة لم يسدّد أكثر من 190 شركة. بهذا المعنى، فإن المهندسين قادرون على تحديد مصدر الخسارة التي لحقت بهم بشكل واضح، أي سلوك السلطة الذي يدفعهم نحو الهجرة. وليست شركات المقاولات وحدها من تعرض لهذه الضربة واضطرت إلى أن تصرف مهندسين أو أن توقف أشغالها أو أن تخفض عدد ساعات العمل والرواتب والمخصصات، بل شركات الاستشارات والدروس والتطوير العقاري وسواها.
إذاً، إضافة إلى أن احتمالات الخرق كانت وما زالت موجودة في نقابة المهندسين، إلا أن الأزمة كان لها أثر كبير في بلورة مواقف المهندسين من المرشحين إلى تمثيلهم النقابي. وبدرجة ثانوية، لعبت عوامل أخرى دوراً في هذه الخسارة / الفوز. فمن جهة، كان هناك تنافس بين مرشح حركة أمل مصطفى فواز، ومرشح حزب الله حسن حجازي، على مركز النقيب، ما انعكس ترهلاً في الماكينة الانتخابية لهما. «أمل» تحديداً كانت عالقة بين تيارين داخلها، واحد يفضّل فواز، وآخر يفضل أي أحد غيره. ماكينة التيار الوطني الحرّ كانت في أضعف حالاتها، ولم يحضر أكثر من ثلث حاملي البطاقات الحزبية إلى انتخابات الأحد الماضي، بينما تيار «المستقبل» المشتت بين رغبة سعد الحريري في ترشيح باسم العويني لمركز النقيب تلبية لمساعي أحمد هاشمية، وبين أربعة مرشحين آخرين (حسن درغام، رفعت سعد، محمد ياسين، محمد سعيد فتحة). كذلك، قرّرت «القوات اللبنانية» أن تنأى بنفسها عن الطرفين، في محاولة لمحاباة «النقابة تنتفض»، إلا أن هذه الأخيرة لم تلتفت إليها، وباتت «القوات» تناقش حالياً خيار الامتناع عن المشاركة في المرحلة الثانية من الانتخابات. الكتائب التي يحاول رئيسها تجيير فوز «النقابة تنتفض» لمصلحته، لا يملك في هذا الفوز سوى الحصّة الأصغر التي تجعله مشاركاً غير مقرّر أصلاً، إلى جانب النائبة السابقة بولا يعقوبيان التي ليس لها أي فضل في هذه المعركة سوى الاستغلال الإعلامي.
إذاً، هل يمكن الاعتداد بهذه النتيجة للتعبير عن تغيّر في مزاج الطبقة الوسطى في لبنان التي كان تنتمي إليها غالبية المهندسين قبل الانهيار، وبالتالي سيترجم هذا الفوز في استحقاقات أوسع؟ هذا السؤال سابق لأوانه، ما دامت معركة نقابة المهندسين لم تحسم نهائياً بعد.
المعركة ستكون مرتبطة بحسم اسم مرشح النقيب بين أحزاب السلطة التي باتت تبحث عن مهندس مستقل (يكون بيروتياً) يخوض عنها معركتها بشكل فاضح، وبين «النقابة تنتفض» التي ظهر على ساحتها عارف ياسين، وسمير طرابلسي. هذا الأخير ترشحه مجموعات الجامعة الأميركية و«بيروت مدينتي» ومن هم مثلهم، بينما ياسين لم يتمكن من الاستحواذ على أصوات أعضاء التكتل.
كذلك، طرأت مشكلة أساسية أمس، مع إقرار مجلس النواب قانون تمديد المهل المعمول فيه بالقانون 199، لغاية نهاية السنة الجارية، ما يعني أن احتمال الطعن في الانتخابات وارد مجدداً. قد تكون هذه هي لعبة السلطة للتهرّب من الخسارة الكبرى.



النقابة تشارك في 26 لجنة وهيئة
بإمكان نقابة المهندسين أن تشارك في 26 موقعاً؛ بعضها مواقع تشارك فيها جبراً، لأن وجودها فيها منصوص عليه قانوناً بمراسيم، وبعضها يكون له دور استشاري أساسي. فمن المواقع الأساسية التي ينصّ المرسوم على تمثيل نقابة المهندسين فيها، موقع المجلس الأعلى للتنظيم المدني. هنا بالتحديد يمكن لنقيب المهندسين أن يلعب دوراً رئيسياً في صياغة دور العمارة في كل المجالات المرتبطة بالمحيط الجغرافي والبيئة الاجتماعية للسكان. كذلك، تشارك النقابة في لجان المقالع والكسارات، ولجان التصنيف في الوزارات والإدارات العامة المختلفة، وفي لجان أخرى تتعلق بالبيئة والمياه، وحتى في لجان نيابية، فضلاً عن أنه يمكنه المبادرة في اتجاه أي بند من بنود السياسات العامة.