على عكس السائد في معظم دول العالم، يجري التعاطي مع المستشفيات الحكومية في لبنان، وعددها 29، كمؤسسات من الدرجة الثانية. ومردّ ذلك سببان أساسيان: سيطرة القطاع الاستشفائي الخاص، ونظرة الناس إلى القطاع الاستشفائي العام باعتباره آخر الأمكنة التي يمكن اللجوء إليها طلباً للخدمات الطبية. وإذ تعكس هذه النظرة قصوراً في الرؤية، إلا أنها تدلّ أيضاً على استهتار الجهات المسؤولة في تعاطيها مع المستشفيات الحكومية، بدءاً من المتعاقبين على وزارة الصحة، وصولاً إلى المديرين العامين والمسؤولين في المستشفيات الحكومية نفسها، وما بينهما.مع انتشار فيروس كورونا، نأت المستشفيات الخاصة بنفسها، وتُركت المستشفيات الحكومية وحيدة في المواجهة، ووصل الكثير منها في ذروة الأزمة إلى قدرته الاستيعابية القصوى، ووصل معها القطاع الصحي إلى حافة الانهيار. اليوم، بعد عامٍ ونصف عام من الأزمتين المتواصلتين، المالية والصحية، بات «مطلوباً بالحد الأدنى أخلاقياً التأسيس لمرحلة جديدة من التعاطي مع المستشفيات الحكومية»، على ما قال وزير الصحة حمد حسن، أمس، خلال لقائه مديري عدد من المستشفيات الحكومية. وهي مرحلة، «تستدعي رفع جهوزية المستشفيات في الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والتعلّم من التجربة السابقة» التي كانت فيها حياة المرضى وأدويتهم رهينة بيد القطاع الخاص.
حسن أعلن انطلاق هذه المرحلة من خلال ملفين أساسيين يستهدفان تجهيز المستشفيات. أولهما، قرض البنك الإسلامي البالغ 32 مليون دولار والمخصص للتجهيزات، ومن المفترض أنه بات في سياق مرحلة إعلان تلزيم المناقصة من قبل مجلس الإنماء والإعمار. أما الملف الآخر، فيتعلق بجزءٍ من قرض البنك الدولي الذي أقرّ سابقاً لتجهيز المستشفيات الحكومية، من دون أن يفرج عنه حتى الآن. ولفت حسن إلى أن قيمة هذا «الجزء» تبلغ حوالى 40 مليون دولار ستخصص أيضاً لتجهيز المستشفيات الحكومية، وفق الحاجات التي حدّدها مديرو المستشفيات.
مع ذلك، لن تكون هذه القروض بديلاً من المرحلة الثانية التي «تسند» وضع المستشفيات الحكومية، كما الخاصة، في الأزمة الحالية. من هنا، أعلن حسن قرب الوصول إلى صيغة نهائية لتعديل «تسعيرة» الجهات الضامنة، بما يخفّف من وطأة الفروقات التي يدفعها المواطنون للمستشفيات. وإذ أكّد تكليف المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، التفاوض مع المستشفيات الخاصة وإعادة النظر في تسعيرة الخدمات الطبية، إلا أن «الأكيد أنها لن تكون وفق ما تطالب به المستشفيات الخاصة».
حسن: لن نقبل استشفاء في القطاع الخاص على حساب وزارة الصحة بوجود أسرّة في المستشفيات الحكومية


وفي هذا السياق، يلتقي كركي أصحاب المستشفيات الخاصة في اليومين المقبلين للوصول إلى صيغة مرضية للطرفين، على أن يرسل إلى هذه المستشفيات استمارة تصحيح تسعير وتعرفة تشمل كل النشاطات الطبية والاستشفائية خلال هذا الأسبوع. أما «ضريبة» هذه التعديلات والتحسينات، فدونها مطلب أساسي هو إثبات هذه المستشفيات النيّة الحسنة في تعزيز موقعيّتها. وفي هذا السياق، نبّه حسن المستشفيات من «أننا لن نقبل بعد اليوم استشفاء في القطاع الخاص على حساب وزارة الصحة العامة إن كان هناك سرير واحد فارغ في المستشفيات الحكومية».
لكن، هل تكفي هذه الخطوات لـ«تصحيح» أوضاع المستشفيات الحكومية؟ في المبدأ، ثمة جانب لا تغطّيه تلك القروض، وهو ذاك المتعلق بـ«فساد» بعض إدارات تلك المستشفيات، سواء في طريقة تعاطيها مع الخدمات الطبية على قاعدة زبائنية أو مع التوظيفات المرهونة بشكلٍ أو بآخر للطوائف والأحزاب، أو بالفواتير «الوهمية» أو، في أحسن الأحوال، ما يمارسه البعض من نفخ الفواتير لتحقيق كسبٍ غير مشروع من المال العام أو في كيفية التصرف بالهبات والمساعدات التي لا تمرّ في الغالب وفق قنوات شرعية وغيرها من المخالفات التي يصعب حلحلتها بالقروض.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا