مرّ شهر أيار هذا العام من دون هرج ومرج في نقابة الأطباء. اعتاد الجسم الطبي على موعد ثابت في هذا الشهر، مع انعقاد جمعيته العمومية العادية وانتخاب الأعضاء والنقيب، في ما يشبه العرس الديمقراطي الذي لا يخلو من توتر وشدّ أعصاب. خلت باحة بيت الطبيب هذه السنة والسنة الماضية من روادها، وغابت الخيم المؤيدة لهذا المرشح أو ذاك، وأطبق الصمت على صالة الجمعية العمومية.قد يعتقد القارئ أن الخبر عادي في ظلّ جائحة كورونا وقانون تعليق المهل، وقد تخطر في البال لائحة طويلة من الاستحقاقات المؤجلة خلال السنتين المنصرمتين. لكنّ الشيطان غالباً ما يكمن في التفاصيل. وتفاصيل عدم حصول الانتخابات في نقابة عريقة كنقابة أطباء لبنان عبرة لا بدّ من التوقف عندها.
بداية لا بد من الإشارة الى أن النقابات، كنقابة الأطباء، منشأة بقانون ينظّم عملها يحمل الرقم 313/2001، وينصّ في مادته السابعة على ما يلي: «تلتئم الجمعية العمومية العادیة السنوية للنقابة في النصف الأول من شهر أیار، ویمكن أن تدعى الجمعية العمومية غير العادية، إما بناء على عريضة یقدّمها لمجلس النقابة خمس الأطباء المقيّدين، وإما بناء على قرار یتخذه مجلس النقابة بأكثرية الثلثين».
كما تنص المادة الحادية عشرة على ما يلي: «تختص الجمعية العمومية بالأمور الآتية:
1- انتخاب مجلس النقابة والنقيب.
2- المصادقة على المقررات السنوية التي یعرضها عليها مجلس النقابة.
3- تحديد الرسم السنوي ورسم الانتساب المفروضَين على الأطباء اللبنانیین، وتحديد الرسم السنوي ورسم الانتساب المفروضَين على الأطباء غیر اللبنانیین.
4- التدقيق في حسابات السنة السابقة والمصادقة علیها، والموافقة على تحویل ما تراه مناسباً من أموال صندوق النقابة الإدارية الفائضة لصالح صناديق التقاعد والتعاضد الصحیة والإعانات للأطباء.
5- تفويض مجلس النقابة مهام محددة بصلاحيات استثنائية ولمدة معینة، وعلى المجلس اتخاذ قراراته في شأن تلك المهام بأكثرية ثلثي أعضائه لتصبح نافذة.
أما الجمعية العمومية غیر العادیة فتبحث بالأمور التي لها علاقة بالمهنة والمبينة في جدول الأعمال المحددة في الدعوة أو في قرار المجلس».
هكذا، يتبيّن أن من مهام الجمعية العمومية العادية انتخاب الأعضاء والنقيب، وأن انعقادها إلزاميّ وحصريّ في النصف الأول من أيار لدورتها الأولى حسب ما يوضح النظام الداخلي لنقابة الأطباء.
لقد استوجب تأجيل انتخابات سنة 2020 إصدار قانون من مجلس النواب يعلّق المهل ويمدّد عمل مجالس النقابات حمل الرقم 160، وتلاه القانون رقم 185 حتى نهاية عام 2020. هنا لا بد من التذكير بأن هذا التمديد حصل بقانون خلال فترة التعبئة العامة، وخلال ممارسة لجنة كورونا والمجلس الأعلى للدفاع لمهامه وصلاحياته التي يحددها القانون. وقد انتهت مفاعيل القانون 185 مع نهاية العام وصدر في 29/12/2020 القانون 199 الذي نص على:
«... خامساً: على الهيئات والنقابات والجمعيات والنوادي والتعاونيات إجراء انتخاباتها ضمن المهل ووفقاً للأصول وفي المواعيد المنصوص عليها في قوانين إنشائها (...) تستمر مجالس وهيئات ونقابات المهن الحرة المنظمة بقانون والهيئات والجمعيات والنوادي والتعاونيات في أعمالها لغاية مواعيد انعقاد جمعياتها العمومية العادية، وفق ما هو منصوص عليه في القوانين والأنظمة العائدة لكل منها، وتكون أعمال المجالس الحالية قانونية حتى ذلك التاريخ».
لقد ألزم القانون 199 النقابات بإجراء انتخاباتها في المواعيد المنصوص عليها ومدّد أعمال المجالس حتى مواعيد انعقاد جمعياتها العمومية المنصوص عنها وهو تعمّد التمديد حتى مواعيد الانعقاد وليس الانعقاد. فماذا حصل فعلياً؟
أعلن مجلس النقابة الدعوة إلى الانتخابات في مواعيدها، ثم عاد نقيب الأطباء وراسل المجلس الأعلى للدفاع باسم المجلس للاطلاع على الواقع الوبائي، فما كان من الأخير إلّا أن أعلم المجلس بعدم إمكانية إجراء انتخابات. وبعد أخذ وردّ، سمح سُمح للمجلس بإجرائها عندما يرى ذلك مناسباً.
ولاية ثمانية من أعضاء مجلس النقابة بحكم المنتهية الصلاحية


أمام هذا الضياع والتضارب في المواقف، طارت الانتخابات بحكم عدم البتّ بالترشيحات، وعدم إبلاغ وزارة الصحة بموعد إجرائها. وزاد مجلس النقابة على هفواته الهفوة القاتلة بقرار تأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتهاء التعبئة العامة.
ما هي المخالفات المسجّلة في سياق الأحداث الآنفة السرد؟
1- المجلس الأعلى للدفاع لا يملك صلاحيات تشريعية، وهو قرر تأجيل الانتخابات بقرار يخالف القانون 199.
2- مواعيد الانتخابات محددة في القانون 313، وقد أكد القانون 199 على تطبيقه لناحية مواعيد إجراء الانتخابات، فكيف لمجلس نقابة أن يطلب صلاحيات مخالفة للقانون، وكيف للمجلس الأعلى للدفاع أن يعطيه ما هو غير قادر على إعطائه؟
3 - صلاحية المجلس محصورة قانوناً بالدعوة إلى الدورة الأولى في النصف الأول من أيار. على أيّ نص ارتكز المجلس في قراره تأجيل الانتخابات إلى نهاية مرحلة التعبئة العامة؟
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن قرارات المجلس الأعلى للدفاع صالحة للتطبيق على المؤسسات والنشاطات التي تعمل بناء على قرارات إدارية كالمدارس والمؤسسات. وهو لا يملك السلطة لتعديل قوانين أو تغطية ممارسات تخالف هذه القوانين، بدليل أن التمديدين الأولين حصلا بناء على قوانين صادرة عن مجلس النواب. ولذلك، تقدّم عضوان من مجلس النقابة بطعن في قرار مجلس النقابة أمام محكمة الاستئناف النقابية، وهو قيد المتابعة حالياً.
طرح التأجيل موضوعاً خلافياً آخر، وهو جواز استمرار المجلس ولجان النقابة في عملها. إذ تنص المادة 13 من قانون إنشاء نقابة الأطباء على أن ولاية الأعضاء المنتخبين في مجلس النقابة هي لثلاث سنوات، ومدّد قانون تمديد المهل هذه الولاية استثنائياً حتى موعد انعقاد الجمعية العمومية المنصوص عنه في القانون، ما يجعل ولاية ثمانية أعضاء بحكم المنتهية بانقضاء شهر أيار، وهي المهلة القصوى لانعقاد الدورة الانتخابية الثانية. هذا الأمر يُفقد المجلس نصابه القانوني المحدّد قانوناً في المادة 24 من القانون رقم 313، كما يُفقد لجان النقابة شرعيتها إذ أنها منتخبة لمدة سنة ويعاد تكوينها سنوياً.
أمام هذا الواقع، تجد نقابة الأطباء نفسها أمام حالة من انسداد الأفق القانوني. فهي غير قادرة على إيجاد المخارج ضمن نصوص قانون إنشائها، وغير قادرة على الاستمرار في تسيير شؤون الأطباء. إذ أن أي قرار أو اجتماع للمجلس المنتهي الصلاحية معرّض للطعن. وهذا الواقع لن يقتصر على نقابة الأطباء، بل هو مرشح للتمدّد إلى نقابات أخرى، إذا لم تبادر الجهات الرسمية إلى تلقف الأمر سريعاً، وتحديد أطر قانونية للخروج من الوضع الحالي. فهل من يحمل مسؤولية الوصول إلى درك انعدام المخارج؟ وهل من جهة رسمية جاهزة لإنقاذ المصالح المهدّدة لآلاف الأطباء؟
* عضو مجلس نقابة منتهي الصلاحية.