طَلَبٌ قُدّم أمام مجلس شورى الدولة بهدف حماية الناس والمودعين والاقتصاد، تحوّل إلى «أوكسيجين» للمصارف ومصرف لبنان، حتى تسدّد ودائع الدولار وفق الـ 1507، وتلغي نهائياً العمل بمنصة الـ 3900. قرار مجلس شورى الدولة هو إعدادي، استكماله بإجراءات يُعدّ أساسياً لضمان قيمة أموال المودعين صاحب حساب مصرفي بالدولار، كان يسحب منه شهرياً ألف دولار، يقبضها على أساس سعر «منصة 3900»، أي 3 ملايين و900 ألف ليرة. بعد قرار مجلس شورى الدولة الصادر قبل يومين، والقاضي بتجميد العمل بتلك «المنصة»، هل سيُسحب مبلغ الألف دولار مُجدداً وفق «السعر الرسمي»، أي أنّ الفرد يقبض مليوناً و500 ألف ليرة، فيما تعدّى سعر الصرف في السوق الحرّة الـ 13 ألف ليرة، وهو مُرشح لأن يرتفع أكثر؟[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
قضائياً، قرار مجلس الشورى هو تضييق جديد على حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، بعد الدعاوى القضائية وما يتفرّع عنها التي يواجهها. ويفتح المجال أمام الطعن بكلّ التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، وفيها مخالفات للقوانين. فضلاً عن أنّه رسالة إلى رياض سلامة، بأنّ قراراتك السابقة والمُستقبلية ستكون تحت المجهر. هنا تكمن «أهمية» قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 31 أيار، الذي اعتبر أنّ «وقف التنفيذ هو تدبير يرمي إلى منع وقوع الضرر أو على الأقلّ الحدّ من نتائجه». ولكن عملياً، العكس هو ما سيحصل. إذ إنّ تبعات القرار ستكون قاسية جدّاً على المودعين، وتُعرّضهم لقصّ («هيركات») ودائعهم بنسبة تصل إلى 85 في المئة، في حال لم يُستتبع بإجراءات تحفظ حقوقهم. فقرار مجلس الشورى يُقدّم (ربما من حيث لا يدري) ذريعة إلى المصارف لدفع الودائع بالدولار على أساس سعر صرف 1507.5 ليرات، على اعتبار أنّه «السعر الرسمي للدولة»، وهذا ما بدأ يُسوّق له مصرفيون، وخاصة أنّ القرار لا يذكر بصريح العبارة دفع الودائع بعملتها، ولا يوضح إن كان يُمكن دفعها كشيك مصرفي أو حصراً نقداً.
القرار يُقدّم ذريعة إلى المصارف لدفع الودائع وفق الـ 1507


تحرّك مجلس شورى الدولة بناء على طلب مُقدّم من المحامين: باسكال ضاهر، شربل شبير وجيسيكا القصيفي، في 1 نيسان 2021، لوقف تنفيذ التعميم 151، الذي يُحدّد سعر صرف الدولار على «المنصة» بـ 3900 ليرة، من دون التطرق إلى «منصة صيرفة» التي حُدّد سعر الدولار عليها بـ 12 ألف ليرة. وقد طلب مصرف لبنان ردّ وقف التنفيذ. في الخلاصة، تبيّن لمجلس شورى الدولة أنّه «بما أنّ وقف التنفيذ هو تدبير يرمي إلى منع وقوع الضرر أو على الأقل الحدّ من نتائجه... تقرّر وقف تنفيذ القرار المطعون به» (أي «منصة» الـ 3900).
القرار إعدادي يطلب وقف التنفيذ مؤقتاً من دون أن يُلغي التعميم 151 نهائياً. الخطورة في القرار أنّه لا يُنصف المودعين، ولا يؤمّن لهم حقوقهم، بل يتركهم من دون حلّ بديل يحفظ لهم قيمة ودائعهم بعد انهيار العملة. فماذا لو تأخّر مصرف لبنان في بتّ آليات وقف التنفيذ وإيجاد حلّ مع المصارف، من سيُدافع عن المودعين إن أصرّت المصارف على ردّ الودائع حسب سعر الصرف «الرسمي»، وبالتالي إجراء «هيركات» على أموالهم أكبر من ذلك الممارس بحقهم بموجب منصة الـ 3900؟ الثغرة لدى مجلس شورى الدولة أنّه لم يفصل في النزاع، ولم يحسم في أصل المشكلة: تبديد الودائع!
مراقبة ومحاسبة مصرف لبنان أمران أساسيان ومطلوبان، ولكن اتخاذ إجراءات فردية غير مواكبة بخطة على المديين المتوسط والبعيد، وبإجراءات تشريعية من مجلس النواب أهمها إقرار قانون القيود على العمليات المصرفية الذي يُفترض به أن يحلّ كلّ هذه المسائل، سيؤدي إلى حرف القرارات «التصحيحية» عن مسارها، وتقوم في النهاية بتكبيد عموم اللبنانيين والسكان كلّ تبعات الخسارة الواقعة في القطاع المالي.