قانون الشراء العام خطا خطوته الأولى بعد سنة من المناقشات النيابية. بعد أن أقرّته اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن اللجان المشتركة، يفترض أن لا يتأخر عرضه على الهيئة العامة. الاقتراح يضع حدّاً للتفلّت في عقد الصفقات العمومية، كما يُقرّ آليّة مركزيّة للشراء العام، تعتمد على إنشاء هيئة متخصّصة ولجنة اعتراضات. اتُّفق في اللجنة على أن تكون الجهتان مستقلتين، إلا أن «التيار الوطني الحر» أصرّ على أن تكون اللجنة تابعة للتفتيش المركزي. ملاحظات التيار ستكون محل نقاش في اجتماع اللجان المشتركة، وأبرزها رفضه أن يكون رئيس إدارة المناقصات الحالي رئيساً لهيئة الشراء العام لولاية أولى. لكن بحسب مناقشات اللجنة الفرعية، يُرجّح أن لا يتمكن من الحصول على الأغلبية، فهل يلجأ إلى الطعن؟[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
احتاجت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة إلى 45 جلسة لإنجاز اقتراح قانون الشراء العام. وهو اقتراح إذا أُقرّ، يضاف إلى القوانين التي يفترض المجلس النيابي أنها ستساهم في تحضير الأرضية اللازمة لمرحلة الخروج من الانهيار... في حال تأليف الحكومة.
القانون مطلوب دولياً أيضاً، ولا سيما من الفرنسيين، شأنه شأن الكثير من القوانين الإصلاحية. وكان المعهد المالي (معهد باسل فليحان) قد أعدّه بعد تكليفه في 4 آذار 2019 من قبل وزير المالية. وسبق أن التزمت به حكومة سعد الحريري في بيانها الوزاري (7 شباط 2019)، ثم عادت والتزمت به حكومة حسان دياب، كما وُضع على جدول الخطة الإصلاحية التي أقرّتها، علماً بأنّ النائب ياسين جابر وقّعه في نهاية 2019، وبدأت الاجتماعات بشأنه في منتصف 2020، كما عقدت لأجله ورش عمل عديدة، شاركت فيها منظمات دولية ومحلية، إضافة إلى ممثلي الهيئات الرقابية. بعد إنجازه في اللجنة الفرعية، يُفترض أن لا يتأخر قبل عرضه على اللجان المشتركة، تمهيداً لتحويله إلى الهيئة العامة لإقراره.
الضغوط الدولية تنطلق من اعتبار أن هذا القانون سينهي مرحلة التفلّت والفوضى في عقد الصفقات العمومية، انطلاقاً من أن الشراء العام هو الأداة الرئيسية لإنفاق المال العام. وبحسب وزارة المالية، يُقدّر حجم هذه الصفقات بـ 13 في المئة من الموازنة العامة و4 المئة من الناتج المحلّي الإجمالي (نحو 2 مليار دولار)، علماً بأن هذا التقدير لا يتضمن حجم مشتريات المؤسسات العامة والبلديات والمشاريع المموّلة من الخارج. بحسب تقديرات الوزارة، فإن تحديث منظومة الشراء العام من شأنه أن يُحقّق وفراً سنوياً بقيمة 500 مليون دولار. ذلك مبلغ، يؤكد أنه لم يعد بالإمكان العمل من دون نظام مركزي للمناقصات، يُنهي حالة التفلّت المستمرة. وعليه، فإن كل من يتعامل بالمال العام سيكون خاضعاً لهذا القانون. فالهيئة ستُنظم عمليات الشراء العام بشكل شامل. وبوصفها هيئة ناظمة، ستصدر القرارات التنظيمية التي تتعلق بهذه المناقصات.
عملياً، اتفق أعضاء اللجنة الفرعية التي يترأسها جابر على أغلب بنود القانون، بعد خلافات جرى معالجة معظمها. لكن ذلك لن يكون كافياً لأن يمر القانون بسهولة في اللجان المشتركة ثم في الهيئة العامة. «التيار الوطني الحر» لديه تحفّظات عديدة على ما أقرّ، من دون أن يكون واضحاً ما إذا كان سيتمكن من الحصول على تأييد كاف لتعديل البنود المعترض عليها، كون أغلب الكتل، ومنها «حزب الله»، وافقت على النص النهائي الذي خرج من اللجنة، التي تضم إضافة إلى جابر، النواب: سمير الجسر، جورج عقيص، جهاد الصمد، ألان عون، فريد البستاني، أمين شري وفيصل الصايغ.
هيئة الشراء العام: الكفاءة ثم المحاصصة!


ينص الاقتراح، الذي هدد «التيار» بالطعن به إذا لم يؤخذ بملاحظاته، على تشكيل هيئة مستقلّة للشراء العام مؤلفة من خمسة أعضاء يُعيّنون في مجلس الوزراء (ثمة من اقترح أن تكون مؤلّفة من ثلاثة أعضاء، إلا أن السعي إلى المحاصصة الطائفية رجّح كفّة الأعضاء الخمسة، علماً بأنه تقرر أن يُقدّم الراغبون في الانضمام إلى الهيئة طلبات إلى مجلس الخدمة المدنية، على أن تدرس الملفات في لجنة تضم رئيس المجلس ورئيس هيئة التفتيش المركزي ورئيس ديوان المحاسبة، إضافة إلى رئيس هيئة مكافحة الفساد. لكن لتجنب الطعن بالقانون، فإن هذه اللجنة لن تكون مخوّلة اختيار عدد من المرشحين واقتراح أسمائهم على مجلس الوزراء، إنما ستكون معنية بإجراء المقابلات مع المرشحين، ورفع أسماء كل الناجحين منهم إلى مجلس الوزراء من دون اختيار عدد محدد. هذه الآلية وضعت لتجنّب الطعن بالقانون، إذ سبق أن أصدر المجلس الدستوري قراراً ألغى فيه القانون الرقم ٧ تاريخ 3/7/2020 الذي يحدد آلية التعيين في الفئة الأولى (يشترك وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية مع الوزير المختص ورئيس مجلس الخدمة المدنية في اختيار ثلاثة أسماء للمرشّحين المقبولين ترفع وفقاً لترتيب العلامات الى الوزير المختص أو وزير الوصاية، كي يرفعها بدوره مع اقتراحه الى رئيس مجلس الوزراء لعرضها على مجلس الوزراء «الذي عليه أن يعيّن واحداً منهم في المركز الشاغر». فالقرار الصادر عن المجلس الدستوري أكد عدم جواز تقييد الصلاحية الدستورية للوزير المختصّ باقتراح التعيين، وصلاحية مجلس الوزراء الدستورية بالتعيين.

هيئة مستقلة
الإشكالية الثانية التي واجهت الهيئة، تمثّلت في صفتها القانونية. هل تكون مستقلة أم تابعة للتفتيش المركزي؟ تقرر في النهاية أنه يجب تأكيد استقلاليتها، أسوة بهيئة مكافحة الفساد على سبيل المثال، بالرغم من أنها إدارياً قد تتبع لرئاسة مجلس الوزراء أسوة بالهيئات الرقابية، من دون أن يكون له أي سلطة عليها. وهذه الهيئة ستكون عملياً بمثابة هيئة ناظمة وهيئة رقابية على السواء. فصلاحياتها تسمح لها بتنظيم كل شراء عام، كما تشرف على إعداد دفاتر الشروط، وتضع بنفسها دفاتر شروط عمليات الشراء المتشابهة بين الإدارات،. ويفترض بكل إدارة أن تعلمها بخطتها للشراء العام قبل ثلاثة أشهر من بداية السنة المالية. كما يفترض أن تنشر كل المناقصات وتفاصيلها على المنصة الإلكترونية للهيئة، إضافة إلى المنصّة الخاصة بالإدارة المعنيّة. فقد أكد جابر أنه سيتم إنشاء منصّة للإعلان عن أيّ مناقصة وهي مفتوحة ليراها كل الناس، ونتائجها تعلن عبرها. وإذا لم يكن هناك نشر، سواء كان للإعلان أو للنتائج فتفسد المناقصة ويطعن فيها».
بعد إقرار قانون الشراء العام، سيُستغنى عن آلية تصنيف الشركات التي يحقّ لها المشاركة في المناقصات التي تجرى في الإدارات والمؤسسات، والتي تشهد استنسابية كبيرة، على أن تستبدل هذه الآلية بالتأهيل، حيث يحق لكل الشركات أن تُشارك في المناقصات إذا كانت مؤهلة لذلك. كذلك فإن الصفقات التي تحمل الطبيعة ذاتها وإن كانت خاصة بعدد من الإدارات، ستجريها الهيئة بشكل مشترك.

حق الاعتراض
بإنشاء الهيئة، لا تكتمل آلية إصلاح نظام الشراء العام. حجر الزاوية في القانون هو لجنة الاعتراضات التي يحق لها بتّ أي اعتراض على المناقصات التي تجرى في الإدارات (يحق لهيئة الشراء العام الاعتراض أمامها أيضاً). وبمجرد ورود شكوى إليها، يتوقف توقيع العقد لعشرة أيام حتى تبتّ الشكوى، كما تجمّد كل السياقات المتعلقة بذلك خلال هذه المدة، ومنها الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة على العقد. وتعتبر هذه الخطوة سابقة على اللجوء إلى مجلس شورى الدولة، حيث يحق للمتضرر من قرار اللجنة الطعن بالقرار. اللجنة مؤلّفة من ثلاثة أعضاء، إضافة إلى عضو رديف لا يحق له التصويت، يعيّنون أيضاً من قبل مجلس الوزراء.
ونظراً إلى أهمية هذه اللجنة، كان الخلاف بشأن طبيعتها وتبعيتها أكبر من الخلاف بشأن الهيئة. وفيما شدّدت أغلب الكتل على الطبيعة المستقلة للجنة أسوة بالهيئة، فقد أصرّ التيار الوطني الحر على أن تكون اللجنة ذات طبيعة إدارية وتابعة للتفتيش المركزي. وهو ما يفترض أن يثيره نوابه في اللجان المشتركة ثم في الهيئة العامة.

عليّة رئيساً لهيئة الشراء؟
الخلاف الأكبر يتعلق بالفترة الانتقالية. اللجنة الفرعية عملت وفق منطق «طالما أن الهيئة ستحلّ مكان إدارة المناقصات، فمن الطبيعي أن ينتقل رئيس الإدارة وموظفوها إلى الهيئة». وهذا يعني أن رئيس إدارة المناقصات حالياً جان عليّة سيكون رئيس الهيئة لفترة انتقالية. ياسين جابر رأى أنه يفترض أن يكون الرئيس الحالي للإدارة رئيساً للهيئة للولاية الأولى (أربع سنوات)، على أن يُعيّن مجلس الوزراء الأعضاء خلال شهر من إقرار القانون. ذلك رفضه ممثل التيار في اللجنة النائب ألان عون بشدة. حجته التي قدّمها في الجلسة الأخيرة أنه لا يجوز أن يتضمن القانون أي تعيين، على اعتبار أن هذه الفرضية تخالف الدستور الذي يحصر تعيين الموظفين في الفئة الأولى بمجلس الوزراء. لكن في المقابل، كان رد ياسين وعقيص أن عليّة معيّن من قبل مجلس الوزراء، أضف إلى أن الإدارة التي يترأسها حالياً سينتفي وجودها بعدما تتحول إلى هيئة، وبالتالي من الطبيعي أن يتولى رئاستها انتقالياً.
بالنتيجة، فإن الاقتراح الذي يُتوقع أن لا يتأخر رئيس مجلس النواب في وضعه على جدول أعمال اللجان المشتركة، سيكون التيار الوطني الحر بانتظاره لإعادة طرح الملاحظات الآتية:
- التأكيد على إبقاء لجنة الاعتراضات لدى التفتيش المركزي مع الالتزام بالطبيعة الإدارية لها.
- عدم حصر أي صلاحيات في هيئة الشراء العام بيد رئيسها لأن ذلك لا يتناسب مع طبيعتها.
- الإبقاء على الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة.
- رفض تعيين الرئيس الحالي لإدارة المناقصات كرئيس لهيئة الشراء العام.
- الامتناع عن تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية لناحية إتاحة التحكيم دون إجازة مسبقة.
- تقليص المدة الزمنية الممنوحة قبل دخول القانون حيّز التنفيذ.