مطلع صيف 2015، غادر زيدان الحمدوش قريته، خربة شهاب، الواقعة على مسافة نحو 100 كيلومتر شرقي حلب. بيروت، حيث يعمل والده، ستحتضنه لسنوات قادمة.لا شهادة جامعية تسنده ولا مهنة يتعكز عليها، لذا اتّجه صوب أعمال البناء. بين الطين والبلاط، أمضى أكثر من عامين، ينهي عمله الشاق ويأوي مساء الى غرفة لا أنيس له فيها سوى هاتفه المحمول. هكذا، أنشأ حساباً جديداً على «فيسبوك» للتواصل مع الأصدقاء وأبناء «الضيعة».

الشاب الذي لا صلة له بـ«التكنولوجيا» من قريب أو بعيد، استهواه منشور «طلع قدامي» حول سبل اختراق الحسابات الإلكترونية عبر الإنترنت. استهوته الفكرة وشغلت باله، فصار يخصّص وقتاً للتنقل بين فيديوات اليوتيوب حتى تمرَّس على «الاختراق» و«التهكير»، وإن بطريقة بدائية. «ثغرة أمنية» بسيطة اكتشفها واستغلها لسرقة الحسابات عبر «الإيميل المُتاح»، أي غير المستخدم من قبل صاحبه. العملية، ببساطة، تقوم على التخمين، يتأكد بعدها من صلاحية الإيميل فينشئ حساباً جديداً يمكنه من تغيير كلمة السر للحساب المستهدف. يؤكد أن «الاختراق كان للتسلاية مو أكتر وبعمري ما أذيت حدا. وغالباً كنت رجع الحسابات لصحابها بلا مقابل».
يُدير ابن الـ 23 عاماً 68 صفحة على فيسبوك من خلال 85 حساباً بأسماء مختلفة


مع الممارسة، زادت خبرته في التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي. منتصف عام 2017، أنشأ أولى صفحاته على الموقع الأزرق، وسماها «مقاطع مسلسلات»، خصّصها لنشر فيديوات مقتطعة من مسلسلات سورية، قديمة وحديثة. خلال خمسة أشهرٍ فقط، وصل عدد متابعي الصفحة الناشئة إلى أكثر من نصف مليون شخص، و«بلغت نسبة الوصول للجمهور على الصفحة الـ 40 مليوناً». رقمٌ ضخم لم يكن يتخيل أن يفتح له باباً كان غائباً عن ذهنه، إلا عندما وصلته، قبل ثلاث سنوات، رسالة على بريد الصفحة تعرض عليه شراءها مقابل 800 دولار، أي ما كان يعادل راتب شهرين من عمله آنذاك. رتَّب موعداً مع الشاري، وبعد مفاوضات نجح في بيع الصفحة بـ 2000 دولار.
يعمل زيدان اليوم «ناطوراً» لأحد أبنية شارع الحمرا، ويقطن غرفة صغيرة في مدخله. يؤدي مهماته اليومية ويأوي مساءً الى غرفته برفقة هاتفه المحمول وصفحاته على «فيسبوك» التي وصل عددها إلى 68 يديرها من خلال 85 حساباً بأسماء مختلفة. صفحات بأسماء فنانين وفنانات ومسلسلات وأفلام وأخرى مخصصة للأغاني والنكات. عشرات الآلاف يتابعون الصفحات التي يقول زيدان إنه حريص على نموّها، بغض النظر عن الوقت اللازم لذلك، لأن «السر يكمن في الالتزام بالنشر»، وكذلك «في العنوان. المكتوب يبان من عنوانه. عندما يكون العنوان جذاباً تزيد المشاهدات، بغض النظر عن المضمون». ولكن، ماذا عن حقوق النشر؟ يجيب بثقة: «أركّز على المسلسلات التي لا حقوق نشر لها، وفي حال صار مشاكل، أحذف الفيديوات وأجمّد الصفحة لفترة».
حتى اليوم، باع زيدان 6 صفحات من أصل تلك التي أنشأها. كان ذلك قبل الأزمة الحالية، «اليوم، لا بيع ولا شراء» يقول، ما اضطرّه الى إرسال زوجته وابنتيه للعيش في سورية. لا يستخدم ابن الثلاثة وعشرين عاماً مصطلحات تقنية، غير أنه يظهر معرفة بخفايا التسويق وأساليبه. وهو استطاع، بإمكانات متواضعة، خلق صلة وصلٍ مع مئات الآلاف من دون مغادرة غرفته الصغيرة. هدفٌ تعجز عنه مؤسسات إعلامية كبرى توظّف عشرات المختصين بالتسويق والنشر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا