في ظل ما تعيشه البلاد من أزمات متوالدة، على مختلف المستويّات، فاقمت جائحة «كورونا» من حدّتها، نال المعلم نصيبه من هذه الأزمات، لكنه استمر يؤدّي رسالته، ويحمل أعباءها الماديّة والمعنويّة... هو المعلم ذاته في كل المواد من علميّة وأدبيّة وإنسانيّة واجتماعيّة وإجرائيّة... وكان الامتحان الأصعب لمعلمي المواد الإنسانية والاجتماعيّة، في عملية تثبيتها لدى الطلاب والأهل والمديريات، فضلًا عن كون هذه المواد هي المقوّم الأساس في تنمية شخصيّة المتعلم، ومن ورائه الإنسان في المجتمع.ورغم الانحدار الذي يعانيه القطاع التربوي، كنا نرى بصيص أمل في تطوير المناهج وتعزيزها بالموارد الإنسانيّة والاجتماعيّة والقيميّة. لكن ما شاهدناه خلاف ذلك، وهو إقصاء المواد الإنسانيّة والاجتماعيّة بمختلف تفرعاتها ومجالاتها (تاريخ، جغرافيا، تربية، فلسفة، الخ)، والاقتصار فقط على التعليم، بمواده المعروفة، مثل الرياضيّات والفيزياء والكيمياء...
إذا كنا بالتربية نبني الإنسان ونصقل شخصيته، وبالتربية نبني ملامح المتعلم، والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والقانونيّة والسياسيّة هي الركن الأساس في بنائها، وأصحاب هذه الاختصاصات أو من يحملون خلفيتها هم الممسكون بنواصي السلطة والقرار ومحركي السياسات وراسميها في بلدانهم، فكيف نقدم على هذه الخطوة؟
لسنا هنا بصدد إصدار أحكام، أو إطلاق محاكمات، لكن، من خلال تجاربنا مع الاستثناءات «لمرة واحدة» أو «لسنة واحدة»، لأسباب مختلفة، يصبح الاستثناء هو القاعدة.
في الخلاصة، وبعيداً عن معطيات أخرى، سواء في توقيت الامتحان، أو آليات تسييره، وكيفيّات التعامل معه، وما يخلّف من أعباء إضافيّة على المعلم، تثقل كاهله، بدوام صيفي حار، مع انتفاء العدالة في التقييم، بين من أنهى البرامج ومن تعثر بها، ولا ذنب للمعلم بها، نسلّط الضوء على عملية الاختيار بين المواد الاجتماعية والإنسانية في صفوف الشهادة الثانويّة العامّة، ونحن بذلك نحاكي ميول معلمي هذه المواد وتوجّساتهم، في نقاط عدة؛ من أهمها أنّ ذريعة جائحة كورونا لا تبرر هذه الخطوة، لأنّ تقليص المناهج كفيل بتخفيف العبء على التلامذة، فقد تم حذف أكثر من نصف المناهج وأغلب المعلمين أنهوا برامجهم، وما من عوائق تمنع إبقاء هذه المواد ضمن التقييم الرسمي لشهادات الثانويّة العامّة، علماً بأن لإقصاء هذه المواد تأثيرات:
1 - على المستوى النفسي للمعلمين أمام زملائهم في المهنة، وأمام أولياء الأمور، وحتى الطلّاب، بين معلم درجة أولى ومعلم درجة ثانية، ولا ننسى القلق على مواقعهم الوظيفيّة، وفي داخل صفوفهم.
2 - وعلى مستقبل واستمرار هذه الاختصاصات في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في الجامعات، حيث يعزف عنها الطلاب الجامعيّون لأنّهم لن يجدوا فرص عمل مستقبلية لائقة.
وعليه، نطلق صرخة ونداء في آن، وقد أرسلنا كتاباً بهذا الخصوص إلى وزير التربية طارق المجذوب، طلبنا فيه إعادة النظر بهذا القرار، وتصويب المسار، وجعله في سياقه الطبيعي، بالتوازن بين التعليم والتربية، مشفوعاً في الأيام المقبلة بخطّة تطويريّة للمناهج.

المنتدى اللبناني للعلوم الإنسانيّة


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا