حتى العنوان والأسباب الموجبة لم تعد هي نفسها، بعد أن رُبط الاقتراح الجديد باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي أصبح لبنان عضواً فيها في العام 2009. فهذه الاتفاقية كرست «استرداد الموجودات» كركن من أركان مكافحة الفساد، واعتبرته، في المادة 51 منها، مبدأً أساسياً من مبادئ الاتفاقية. كما دعت الدول إلى تعزيز منظومتها القانونية وتطوير التعاون في ما بينها بهذا الشأن. وعليه، عمد النص النهائي للقانون إلى التعامل مع عملية الاسترداد كعملية متكاملة تشمل أعمال التعقب والتجميد والحجز والمصادرة والاسترداد للأموال المنقولة أو غير المنقولة الموجودة داخل لبنان او خارجه.
منذ أيار 2020 حتى آذار الحالي، ظل الاقتراح حبيس الأدراج. بحسب المعلومات، طلب تكتل لبنان القوي من رئيس المجلس طرح الاقتراح على اللجان المشتركة بالتزامن مع طرح اقتراح القانون الخاص بسلفة الكهرباء. وبالفعل طُرح الاقتراحان معاً. نوقشت السلفة في جلسة 16 آذار، ونوقش استرداد الأموال في جلستي 22 و23 آذار، حيث أقر ورفع إلى الهيئة العامة.
أغلب الشكاوى من عدم تطبيق القوانين الإصلاحية يأتي من المسؤولين الممثلين في السلطة التنفيذية
بالنتيجة، صار الاقتراح قانوناً. مُعِدّوه يعتبرونه قانوناً متطوراً ينضم إلى قافلة قوانين مكافحة الفساد. لكن هم أنفسهم يدركون أن مصيره سيكون كمصير غيره من القوانين: إقرار بلا تنفيذ. فالقانون، الذي يرعى «عمليات استرداد الأموال من أي نوع كانت، والمتأتية من جرائم الفساد، سواء وُجدت داخل وخارج لبنان وسواء بقيت بملكية مرتكب الجرم او حيازته أو انتقلت إلى ملكية أو حيازة شخص ثالث»، مرتبط بشكل عضوي بتشكيل هيئة مكافحة الفساد، ومن دونها يصبح حبراً على ورق.
لهذا تحديداً كان أحد من ساهموا في إعداد القانون يفضّل أن يُستفاد من الوقت لمزيد من دراسة النص، «الذي أعدّ منذ سنة تقريباً ويحتاج إلى قراءة جديدة»، بدلاً من حرق المراحل وإقراره على عجل، من دون القدرة على تنفيذه. وتأكيداً لهذا الموقف، سأل النائب جورج عدوان: «هل القصة من يسن قوانين أكثر؟»، فيما أشار الرئيس نبيه إلى أنه «لم نترك قانوناً متعلقاً بالفساد إلا وأقررناه، لكن نريد تطبيق القوانين».
اللافت أن أغلب الشكاوى من عدم تطبيق القوانين الإصلاحية تأتي من المسؤولين الممثلين في السلطة التنفيذية أنفسهم. تشكيل الهيئة الوطنية هو عيّنة، وتفريغ قانون تعديل السرية المصرفية هو عينة (سحب منه حق القضاء في طلب رفع السرية المصرفية، ثم جمّد)، وعدم تنفيذ قانون حق الوصول إلى المعلومات هو عينة أيضاً.
في النتيجة، كل ذلك لم يكن مهماً. مراكمة القوانين صارت الهدف بذاته، ولذلك صُنّف قانون استرداد الأموال المتأتية من الفساد في خانة تشريع الضرورة، بالرغم من عدم القدرة على تنفيذه، لارتباطه عضوياً بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فالمادة الرابعة من القانون تفرض إنشاء «دائرة استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد» لدى الهيئة، كما تفرض أن يرأسها رئيس الهيئة نفسه. والمادة ١١ منه تنصّ على إنشاء صندوق وطني لإدارة واستثمار الأموال قيد الاستعادة أو المستعادة، المرتبط أيضاً بالهيئة لجهة الموازنة الخاصة به. وأكثر من ذلك، لا يمكن للحكومة حتى لو شُكّلت أن تضع المراسيم التنفيذية للقانون من دون «إنهاء» من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تشكّل.
مع التغاضي عن مسألة عدم القدرة على تنفيذ القانون راهناً، بالرغم من أنه كان بالإمكان تبني الاقتراح الذي يقضي بتشكيل لجنة برئاسة وزير العدل تتولى مهام لجنة استرداد الأموال المنهوبة إلى حين تشكيلها، فإن سيبة القوانين الإصلاحية تكون قد شارفت على الانتهاء. لكن ذلك «الإنجاز» لا يحجب حقيقة أن زحمة قوانين مكافحة الفساد لم تنعكس زحمة في توقيف الفاسدين أو فضحهم. حتى اليوم، لم يُكشف أي فاسد بالرغم من أن الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي غير المسبوق سببه الفساد على أنواعه، باعتراف طبقة الفاسدين نفسها!
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا