التخاذل الذي فرضه إيقاع الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية ترك الساحة الاجتماعية مستباحة لمجموعات منتفضة، هجينة ومبتدئة، تفتقر إلى روح القيادة والتنظيم، وتطرح كل العناوين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما عدا عنوان وحدة الموقف والتصور الذي يقود إلى تحركات هادفة في الشارع. الحركة النقابية التي يفترض أن تكون هي القائدة لأي تحرك اجتماعي يطال أولويات لقمة عيش الناس واستقرارهم الاقتصادي انسحبت إلى الخلف، واكتفت بردود أفعال تنفيسية لقواعدها، علماً بأن هذه الأولويات تمثّل علّة وجود الروابط والنقابات وتندرج في صميم مهماتها ومسؤولياتها التاريخية.«الروابط والنقابات أعجز من أن تقوم بالمهمات المطلوبة للمواجهة والتقاط الشارع، حتى لو تخلّت عن مرجعياتها السياسية»، كما يرى النقابي محمد قاسم، إذ إن هيئة التنسيق النقابية «فشلت في استنهاض ما ورثته من تراكمات نضالية، وتخلى الاتحاد العمالي هو أيضاً عن إرثه التاريخي بعدما دخل في أتون الصراع المذهبي والطائفي». الاتحاد والهيئة يواجهان تحدي صدقيتهما ومبرر وجودهما، إذ كيف يمكن لرابطة مثل رابطة التعليم الثانوي أن تفك اعتصاماً بسبب قطع الطرقات، فيما يجب أن تكون في الخطوط الأمامية للتحركات؟ بحسب قاسم، «عدم طرح الشعارات الاستراتيجية المركزية هو مقتل للحركة النقابية المُطالبة بالشمولية وعدم الاكتفاء بالمطالب الفرعية الخاصة بكل قطاع، كأن تتلهى الروابط بالتلقيح ضد فيروس كورونا وتصحيح الأجور، فيما عشرات الآلاف من المواطنين عاطلون عن العمل». ثمة أولويات، كما قال قاسم، تتعلق بالوضع النقدي والاقتصادي وتحديد مؤشر الغلاء، واستقلالية السلطة القضائية واستعادة الأموال المنهوبة، «فما يحصل اليوم يمثل تهديداً وجودياً للوظيفة، فإما أن يبادر الاتحاد والهيئة إلى إثبات حضورهما أو انتهى دورهما». ودعا قاسم إلى إعلان الإضراب العام المفتوح وتطويق منازل السياسيين، لإسقاط المنظومة السياسية وإيجاد البدائل الخدماتية للناس واستعادة ثقة القواعد.
بحسب القيادية في التيار النقابي المستقل بهية بعلبكي، «المعلمون والموظفون مكشوفون أمام الأزمة الاقتصادية وباتوا يفتشون عن حلول بأنفسهم، لأن ليس لديهم من يدافع عن مصالحهم، بعدما اكتفت الروابط بأخذ مواقف لا تسمن ولا تغني، وفشلت في التحول إلى قوى تغيير اجتماعي تطرح برامج إصلاحية وتستشرف ماذا يخطط لهذا القطاع أو ذاك قبل أن ينزل الفأس بالرأس». وأكدت أن «التيار النقابي المستقل معنيّ بالمسائل النقابية البحتة وتصحيح مسار الروابط من الداخل، والتي تمنع العمل النقابي عن طريق الترهيب والترغيب. أما التحالف الاجتماعي الذي نحن في صدد تأسيسه فيتألف من مجموعة كبيرة من العمال واعضاء المهن الحرة والبلديات والنقابيين والنساء، وهو وضع بعد ستة أشهر من النقاش ورقة اجتماعية وسياسية بديلة ويعمل على اليات عمل لتنفيذها».
وفق عضو اللقاء للنقابيين الثانويين حسن مظلوم، «الخيط الجامع بين حراكات روابط القطاع العام بصورة خاصة هو العمل على ردود فعل تنفيسية لامتصاص غضب القواعد التي تنتفض داخل كل قطاع، فيما المعارضة النقابية مأزومة، كما الروابط، لأنها تحتكر العمل النقابي، تماماً كما تحتكر السلطة السياسية الروابط، وبالتالي مطلوب أن تتوحد المعارضة وأن تعقد مؤتمراً نقابياً لبحث الأزمة وتحديد المسؤوليات وصياغة برنامج نقابي وسياسي مشترك يطرح خطة تحرك متدحرجة في الشارع».
رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بدت أكثر الروابط إحراجاً أمام قواعدها، لكونها تواجه حركات اعتراضية من الداخل دعتها إلى إعلان الإضراب للأيام الثلاثة الماضية ومن ثم تمديده لأيام إضافية حتى الأحد المقبل، على خلفية السعي لتشكيل لجنة طوارئ نقابية والتحضير لمؤتمر نقابي الأسبوع المقبل مع باقي الروابط والنقابات، بحسب ما أشار عضو الرابطة حيدر خليفة، «لقناعتنا بأن رابطتنا لا تستطيع أن تحمل وحدها وزر الأزمة الاقتصادية، والتحرك يجب أن يكون شاملاً لكل القطاعات». الرابطة، من جهة ثانية، ترفض كلياً العودة إلى التعليم المدمج، باعتبار أن أخذ اللقاح لا يشكل مناعة فورية ضد الوباء.
الروابط تمتصّ غضب قواعدها بردود فعل تنفيسيّة


كذلك يؤخذ على الإضراب التحذيري للهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، ليوم واحد، أنه لا يتجاوز تنفيس غضب الأساتذة وإيجاد مخرج للأساتذة المتعاقدين لفك الإضراب المستمر منذ 7 أسابيع. إلا أن رئيس الهيئة عامر الحلواني نفى في اتصال مع «الأخبار» أن يكون هذا السبب هو الذي دفعهم إلى الإضراب، إنما هو تعبير عن غضب الأساتذة من لامبالاة السلطة مجتمعة في التعاطي مع الملفات الحياتية وغياب تشكيل حكومة ترعى المواطنين. حلواني أقر بأن هناك تواصلاً مع قطاعات أخرى ولا سيما رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، إلا أن الخطوات التنسيقية لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى جهد إضافي.
رئيس رابطة المعلمين الرسميين في التعليم الأساسي الرسمي، حسين جواد، بدا هو الآخر مقتنعاً بأن العمل المشترك لم ينضج بعد، إذ لكل مكون من مكونات هيئة التنسيق وجهة نظر مختلفة حيال المطالب القطاعية والعامة، «وليس لدينا كرابطة أي توجه بالتحرك حتى الآن».
وبالنسبة إلى تحرك رابطة موظفي الإدارة العامة على وقع اقتراح قانون النائب علي حسن خليل الخاص بالعسكريين، أشارت رئيسة الرابطة نوال نصر إلى «أننا كروابط قطاع عام نتحسس مع المشاكل المالية للدولة، إلا أن استثناءنا من زيادة تعطى لقطاعات أخرى هو إجراء استفزازي لا يمكن السكوت عنه».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا