مبدّد الثروات دخل عالم الثورات ممتطياً مشروعاً إعلامياً تلفزيونياً، تماماً كما أتى أبوه منقذاً على ظهر«المستقبل» قبل ثلاثين عاماً. لكن يبدو أن خبراء التسويق الذين عملوا مع رفيق وباعوا القوم وعود المستقبل إمّا هاجروا جرّاء تحقّق هذه الوعود الاقتصادية أو استنفدوا ما لديهم من مواهب بعد عقودٍ من عرضها بالمزاد، وإما الاثنان معاً، هاجروا واهترأوا، كحال عميدهم في عمدة التطبيع، والذي يسجّل لابنه السارد أنه سبق رعاته في الوصول إلى الكوكب الأحمر، وطبعاً لا نتحدّث هنا عن المرّيخ الذي لم يصل إليه العرب بعد. قد يظنّ من اختار علامة «صوت بيروت أنترناشونال» أنه يستنسخ تجربة «سوبر ماركت رمّال الأصلي ــــ أبو عامر» الذي نجح في نسف كل مفاهيم الـ«Branding» (تمييز السلعة أو المنتج) التي تدرّس في كليات إدارة الأعمال العالمية والتي تقتضي أن تكون العلامة التجارية مميّزة وجذابة، لكنّه فشل إذ إنه لم يعِ أن تجارة الغذاء تختلف عن أكل الهواء.
الانهيار حاصل لا محالة، وهو صعبٌ وموجعٌ. لكن الانهيار لا يصيب الجميع بالتساوي
لكن أكل الهواء لا يُشبع، فأرادها البيغل باء ثورة جياع وبات للقوّات الثورية قوّاد. جياعٌ جياع ثاروا على مدى سنة ونصف سنة أمام متاجر آيشتي وما تمثّله ولم يمسّوها ضرراً، بينما يعتدون على فانات النقل العام تكسيراً. ألا يصلح حذاء الأرماني سلاح رميٍ على المارّة مثل الحجر؟ بالمناسبة، سمير جعجع الجائع هو الآخر، صنع لنفسه حالته عندما انحاز لجياع الكتائب ضد مشيخة العائلة الوطن إذا ما اختصرنا الوطن ببضعة شوارع في قرية متنية في جبل لبنان. وهنا هامش عن الجوع والمطبخ اللبناني، تحتضن منطقة النعص في خراج بلدة بكفيا مطاعم تقدّم أطيب اللقمات اللبنانية، عسى أن تنتهي الجائحة وأن تعود تلك المطاعم إلى العمل من جديد قريباً للمساهمة في محاربة الانهيار. وفي بكفيا أيضاً أمّ الشيخ نديم، وقد امتدح آرييل شارون لقمتها في مذكّراته. طبعاً، قد يبدو اختصار إنجازات النائبة السابقة بمديح مهاراتها في المطبخ ذكورياً، لكن ذلك المديح الوحيد الذي يرد على لسان مصّاص الدماء شارون عن اللبنانيين والذي قال عنهم «إنهم قوم يقبّلون أيادي النساء ويرتكبون الجرائم». كان الشيخ بيار الجميّل البكر يبشّر قادة العدو بالنصر المبين إذا دعموه، ويبيعهم مقاتلين بالآلاف على الورق، لكنهم كانوا يرون جيشه قنابل صوتية بيروتية (انترناشونال؟). امتدّ عهد الشيخ رقم اثنين في سلالة آل الجميّل بين عامي 1982 و1988، والرفيق أسعد أبو خليل «يكفّي ويوفّي» سبتاً بعد سبتٍ في نقد السيرة الذاتية لبطل ذلك العهد، والذي من ضمن بطولاته شراء طائرات لا تطير.
وكما باع بشير شارون فكرة أن لديه مقاتلين في يومٍ من الأيام، يكرّر اليوم قوّادو الثورة التجربة ويبيعون جياعاً وهميين (ومقاتلين أيضاً) لسفيرةٍ لغتها العربية فصيحة وإماراتٍ ومملكةٍ عربية فضيحة. وهنا «شطّت ريلة» جياع دانيال (جيري ماهر) الغوش على وعود بالقروش. والإذلال على يد بهاء فجٌّ أكثر من المذلة على يد أخيه المُذلّ في ريتز الرياض، وقد يكون السبب غياب صور السيلفي للمعجبين والمعجبات مع الأخ الأكبر رغم تشبّهه بالبيغل الماهر في الصيد. على كل، جياع البطر ليسوا بالجياع، أكانوا أباطرة أم بطاركة أم جنرالات، وليس الجوع بالرومانسي ولا هو الثورة. يكثر الحديث اليوم عن خط الفقر الذي يظلّل كل يوم نسبة أكبر من الشعب، ويتساءل من انتدبتهم شاشات الثورة لقطع الطرقات «أين الجياع؟»، فالثورة تحتاج إلى قوم ليُقتاد، لكن القوم أذكى من المتذاكين المتباكين على فقرهم.
الانهيار حاصل لا محالة، وهو صعبٌ وموجعٌ. لكن الانهيار لا يصيب الجميع بالتساوي. فهناك هواة ثورات يهوون في هاوية من صنعهم. وهناك قوم لم يقل كلمته بعد. لكن من شاخ على شيوخ مشايخ وبكواتها لن يصدّق جعجعتها عن الجياع. فيا قوم المنهارين حديثاً، حان وقت الاعتراف بأنكم انتهيتم. ألاعيب حافة الهاوية التي امتهنتموها على مدى أجيال لا تنفع متى هويتم، فصوت بيروت ليس معكم، وهذه المرّة لن ينقذكم الـ«أنترناشونال».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا