واحد من الأساليب التي استُخدمت لـ«تهريب» الدولارات من لبنان في الآونة الأخيرة، كان عمليات التصدير. ما يقوم به عددٌ من التجّار والصناعيين والمُستفيدين من خدمات التصدير، لا يوازي الثروات المُهربة من قبل سياسيين وأصحاب المصارف وكبار المُساهمين فيها وكبار المودعين و«النافذين» المُستفيدين من النموذج القائم، إلا أنّه يصبّ في الخانة نفسها، ولا سيّما أنّ مُعظم هؤلاء المُصدّرين يُراكمون أرباحهم على حساب الاقتصاد المحلّي ومستوى معيشة باقي السكّان في لبنان، إذ إنّهم استفادوا في الأشهر الماضية من الدعم الذي يوفّره مصرف لبنان لاستيراد المواد الأولية وفتح الاعتمادات لإجراء عمليات الاستيراد والتصدير، في مقابل تحويلهم أرباح مبيعاتهم إلى حسابات مصرفية في بلدان أجنبية عوض إعادة ضخّ الدولارات الطازجة في الاقتصاد اللبناني. ولا يزال هؤلاء التجّار والصناعيون يستفيدون من عدم تعديل سُلّم الأجور، والدعم على الكهرباء، والضرائب التي ما زالت تُحتسب على أساس سعر صرف الـ1515 ليرة للدولار الواحد.حصل نقاش كبير حول هذا الموضوع في الأسابيع الماضية، خاصة بعد أن تبيّن لوزارة الاقتصاد والتجارة أنّ بعض أسعار البضائع اللبنانية تُباع في الخارج بأكثر من 500% ممّا تُباع في السوق المحلية. انطلقت فكرة فرض إعادة «الدولارات الفريش» من وزارة الاقتصاد، وتحدّث بها المدير العام للوزارة محمد أبو حيدر أمام وفد من جمعية الصناعيين، قبل أن تنتقل إلى طاولة بحث المجلس المركزي لمصرف لبنان («الأخبار» 11 كانون الثاني 2020).
وزارة الاقتصاد طلبت أن يكون للمُصدّرين حقّ الحصول على كامل أموالهم المودعة في المصارف!

في بداية كانون الثاني الماضي، بدأت الدائرة القانونية في «المركزي» بحث الاقتراح المُتعلّق بفرض شروط على المُصدّرين، لدفعهم إلى إعادة ضخّ الأموال «الفريش» في النظام المصرفي اللبناني. الاقتراح انتقل من مصرف لبنان إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 11 شباط. ويتضمن شرحاً عن جدوى وضع ضوابط على التصدير لضمان إعادة الأموال إلى لبنان، وذلك عن طريق مراقبة البيانات الجمركية (المستند الذي يتضمن منشأ البضاعة ومصدرها ونوعها وقيمتها، ويصدر من دائرة الجمارك)، والحوالات التي تقوم بها المصارف اللبنانية، والاعتمادات المستندية لدى مصارف المراسلة، ليُصار إلى إعادة المبالغ الناتجة عن عمليات بيع البضائع المُصدّرة خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، تحت طائلة منع استقبال الشحنات المستوردة أو تصدير الشحنات للجهة المُخالفة.
في 15 شباط، أرسلت الأمانة العامة لمجلس الوزراء كتاب مصرف لبنان إلى الوزارات المعنية لإبداء الرأي، تمهيداً لإصدار مرسوم به. لا اعتراضات جوهرية على الكتاب، وحدها وزارة الاقتصاد والتجارة سجّلت ملاحظة طلبت إدراجها في أي مرسوم يصدر، وهي أن يكون للمُصدّرين حقّ الحصول على كامل قيمة أموالهم المودعة في القطاع المصرفي اللبناني، متى طلبوا ذلك!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا