على هامش الخلاف المتعلّق بمناقصة الفيول برز نقاش مختلف يتعلق بمداولات مجلس الوزراء. هل يجيز قانون حق الوصول إلى المعلومات الاطلاع عليها، أم أنها مستثناة، بفعل تصنيفها سرية.في 26 كانون الثاني، وربطاً باللغط المرتبط بتفسير قرار مجلس الوزراء الذي أقرّ خلاله المناقصة (راجع «الأخبار»، 23 كانون الثاني 2021: خلاف «الطاقة» والعلية: إقصاء الشركات اللبنانيّة من مناقصة الفيول)، راسل المدير العام لإدارة المناقصات، المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، طالباً نشر محاضر مجلس الوزراء ذات الصلة بمناقصة الفيول، أو «على الأقل إيداعنا نسخاً عنها توضيحاً للحقائق كاملة للرأي العام اللبناني، بهذا الخصوص كي نتمكّن من ممارسة حقوقنا الدستورية والقانونية».
في 15 شباط الجاري، ردّ الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية بصفته مديراً عاماً لرئاسة مجلس الوزراء على كتاب عليّة. بالشكل، اعتبر أن الطلب المقدم من المدير العام للمناقصات لنشر محاضر مجلس الوزراء يجب أن يقدّم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وليس إلى المديرية العامة لمجلس الوزراء. وهو أشار إلى أن مخاطبة الأمانة العامة لمجلس الوزراء يجب أن تتم من قِبل رئيس التفتيش المركزي وليس من خلال طلب مباشر من المدير العام لإدارة المناقصات، وهو في حال تقديمه للأمانة العامة لمجلس الوزراء يكون وارداً خلافاً للأصول، ما يشكّل سبباً إضافياً لردّه من حيث الشكل أيضاً. وبالمضمون، أجاب مكيّة «على سبيل الاستطراد»، معتبراً أن النبذة الثالثة من الفقرة ب من المادة الخامسة من قانون حق الوصول إلى المعلومات، التي يركن إليها عليّة في سبيل الحصول على محاضر جلسات مجلس الوزراء، تعطي لمداولات مجلس الوزراء ومقرراته الطابع السري، وهو أمر ينسجم مع المادة 22 من المرسوم 2552/1992 (تنظيم أعمال مجلس الوزراء) التي تمنع إعطاء أيّ نسخة عن محاضر مجلس الوزراء، بحيث يحق فقط لكل وزير الاطلاع شخصياً على المحاضر. وبالتالي، مع افتراض مكية أن الطلب مقدم حسب الأصول، فإنّ «ما تقدم يجعل الطلب من حيث المضمون فاقداً مرتكزه وسنده القانوني».
الطلب الذي تحول إلى نقاش قانوني يتعلق بمفاعيل قانون حق الوصول إلى المعلومات، استكمله عليّة بكتاب أرسله أول من أمس إلى المديرية العامة لمجلس الوزراء. في الشكل، دعا إلى مراجعة النصوص المتعلقة بالتفتيش المركزي وإدارة المناقصات والتقيّد بها شكلاً ومضموناً، بدل الرجوع إلى استشارات وآراء غير ملزمة قانوناً، وعديمة القيمة المعنوية، لأن كتاب الاستحصال عليها، كما مضمونها، قد بُنيا على وقائع مغلوطة وتجاهل نصوص واضحة ليست بحاجة إلى تفسير.
في المضمون، أكد عليّة أن قانون حق الوصول إلى المعلومات هو قانون وضعي، وُضع لتطبيق مبدأ وقاعدة مكرسين في الدستور. وقال إنه من خارج الفكر القانوني كلياً الإدلاء أن مرسوماً صادراً في عام 1992، يحول دون نفاذ وتطبيق قانون صادر في عام 2017.
النقاش الذي يأخذ طابعاً حادّاً بين الطرفين، وغير مألوف بالتخاطب بين الإدارات، لا يحسم مسألة حق الاطلاع على مداولات مجلس الوزراء، لكنه يفتح باباً عليها. العودة إلى المادة الخامسة من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات تشير إلى أن «مداولات مجلس الوزراء ومقرراته التي يعطيها الطابع السري، هي من بين المستندات غير القابلة للاطلاع». الإشكالية الفعلية تتعلق بهذا البند. بحسب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن مداولات مجلس الوزراء مصنّفة سرية بالمطلق، فيما مقرراته لا تكون سرية إلا إذا أعطاها المجلس هذا الطابع. وهذا يقود بحسب قراءة الأمانة العامة إلى أن تأكيد سرية مداولات مجلس الوزراء المحددة في المادة 22 من مرسوم رقم 2552، التي تشير إلى أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء «تحفظ المحاضر الأصلية ونسخاً عنها في المكان المخصص لحفظها وفقاً للأصول… ولا يجوز إعطاء أي نسخة عنها لأحد على أنه يحق لكل وزير الاطلاع شخصياً على محاضر مجلس الوزراء».
مخيبر: يجب إلغاء «سرية المداولات» من تنظيم مجلس الوزراء ليتلاءم مع القانون


القراءة مختلفة لدى المدير العام لإدارة المناقصات. هو يقول إن البند يربط بين المداولات والمقررات، وبالتالي فإن منع الاطلاع لا يتعلق بالمقررات التي تعطى الطابع السري فقط بل المداولات أيضاً. يقول عليّة: لو كان المشرّع يريد التمييز بين المقررات والمداولات لناحية السرية لما كان شملهما في بند واحد، خاصة أن واو العطف تُستعمل للربط بين الأمرين. وبالتالي، فإنه طالما أن المجلس لم يصنّف هذه المداولات سرية، فهي لا تخضع للمادة الخامسة من قانون حق الوصول إلى المعلومات (المستندات غير القابلة للاطلاع) ويمكن الاطلاع عليها.
في المقابل، فإن مصادر الأمانة العامة لمجلس الوزراء تذكّر بالقاعدة القانونية التي تقول إن لا اجتهاد في معرض النص القانوني الواضح. ونص قانون حق الوصول إلى المعلومات لم يأتِ بجديد لناحية سرية المداولات أو علنية المقررات، بل هو بقي منسجماً مع المنطق والتنظيم. وطالما أن المداولات هي بشكل تلقائي سرية، وطالما أن المقررات هي علنية ما لم يقرر مجلس الوزراء عكس ذلك، فإن نص القانون حافظ على المبدأ نفسه. ومع افتراض المصادر أن هذه المادة تشير فعلاً إلى أنه لا يمكن الاطلاع على المداولات التي يعطيها مجلس الوزراء الطابع السري أسوة بالمقررات، فإن السؤال البديهي يكون ما هي الآلية التي يعطي مجلس الوزراء من خلالها المداولات طابع السرية؟ وفيما تؤكد المصادر أنه لا يوجد أيّ نص قانوني يتعلق بآلية اعتبار المداولات سرية لأنها سرية أساساً، فإن تنظيم مجلس الوزراء، في المادة 17 منه، يشير بوضوح إلى الآلية المتعلقة بالمقررات (يُعطى الطابع السري للقرارات المتعلقة بالمواضيع سواء كانت عادية أو أساسية بالأكثرية المطلوبة دستورياً لإقرارها). وبالتالي تخلص المصادر إلى التفريق بين المداولات التي لا يمكن الاطلاع عليها لأنها سرية بالمطلق وبين المقررات التي يمكن الاطلاع عليها، ما لم يقرر المجلس إعطاءها طابع السرية.
يقرّ النائب السابق غسان مخيبر، الذي كان من المساهمين في إعداد القانون، بأن المسألة تحتمل التأويل فعلاً، لكنه يرى أن هذا التأويل أو الشك يجب أن يذهب إلى المبدأ والهدف من القانون، أي إتاحة المعلومات، لأن كل استثناء مرتبط بحق أساسي، هو في هذه الحالة حق إطلاع المواطنين على مداولات مجلس الوزراء، لا يمكن تفسيره إلا بالمعنى الضيق. ويوضح مخيبر أن المادة 24 من القانون تنص على أن «تُلغى جميع النصوص المخالفة له أو التي لا تأتلف مع مضمونه». وعليه، فإنه إذا كان القانون يجيز الاطلاع على القرارات والمداولات ما لم تصنّف سرية، وجب تعديل تنظيم مجلس الوزراء بما يتلاءم مع القانون الجديد، الذي يُعتبر أسمى منه.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا