إلّا أن ما جرى في الأسبوعين الأخيرين، حمل رسائل أمنية إقليمية ومحلية، من شأنه أن يسلّط الضوء عليه أميركياً خصوصاً في ضوء النقاش الأميركي - الفرنسي حيال لبنان، لإيجاد حال توازن بين الحاجة إلى لبنان مستقراً أو التخلّي عنه. فالمؤشرات الأمنية منذ انفجار أحداث طرابلس واغتيال الكاتب والسياسي لقمان سليم، وصولاً إلى رسائل إسرائيل وحزب الله الجوية، بدأت تضع لبنان تحت المجهر، وهو ما ظهر جلياً في الإعلام الغربي والعربي، وردود الفعل المندّدة باغتيال سليم. وفيما انصبّ اهتمام العالم العربي والغربي بعد انفجار المرفأ، على الشق الإنساني بالدرجة الأولى وتأمين المساعدات وإغاثة الجرحى، فإن عملية الاغتيال، مع ما شهدته من ردود فعل، لجهة الاتهامات الموجهة إلى حزب الله، وقبلها أحداث طرابلس المرجّحة للتفاقم والاستمرار، في ضوء تداخل عوامل إقليمية ومحلّية فيها، والإضاءة على اكتشاف خلايا داعش مجدّداً، سيضع استقرار لبنان على المحك. فأيّ انفجار أمني على أكثر من مستوى، مترافقاً مع انهيار اقتصادي وصحّي غير مسبوقين، من شأنه أن يترك تداعيات مباشرة على التركيبة الداخلية. وهنا الخطورة التي قد تدفع دولاً معنيّة إلى التحرك مجدّداً. لذا بدأ الكلام عن الاحتمالات السياسية التي قد تنشأ عن المعطيات الجديدة كمستقبل تأليف الحكومة، وانهيار منظومة الاستقرار من دون رعاية دولية.
التنازل المطلوب من الحريري لحماية الاستقرار سيكون مطلوباً أيضاً من العهد وحزب الله
بين أحداث طرابلس وعملية الاغتيال كان موقف تيار المستقبل دقيقاً. في الأولى، حاول الإمساك بالشارع الذي يتفلّت من بين يديه بعدما اعتبر أن بعض ما جرى رسالة لليّ ذراع الرئيس سعد الحريري في عملية التشكيل. كذلك كان «المستقبل» أول المسارعين إلى استنكار عملية الاغتيال. بين الحدثَين يمكن انتظار موقف الحريري السياسي ومستقبل تكليفه، في ظلّ رهان عارفيه على أنه مهما بلغ حجم الاستنكار فإن الأزمات الأمنية والسياسية تقف عند حدود التكليف، أي أنه لن يفرّط بتكليفه وبتأليف حكومة مع حزب الله. هكذا كان واضحاً بعد صدور قرار المحكمة الدولية، وهكذا سيبقى واضحاً في خياره السياسي. علماً أن مستوى الرهان يتعلّق بأن حجم التحدّيات الأمنية قد يعطي مبرراً للجميع للعودة إلى الحوار تحت سقف تشكيل حكومة لمنع مزيد من التفلّت. إلا أن قرار السير بالحكومة، لن يكون معزولاً عن ضغوط داخلية لدفعه إلى الاعتذار، كما عن إحاطة أميركية فرنسية بوضعية الحكومة. وسقف هذه الإحاطة مؤشر لما تُقبل عليه إدارة بايدن في وضع نقاط توافق مع باريس بترتيب موقت على شكل حكومة بالحدّ الأدنى من التفاهمات المرحلية تساهم في التهدئة، أو الاعتماد مجدّداً على نهج ترامب تجاه لبنان. لكن ليس الحريري وحده الذي سيُضطر إلى تقديم تنازلات من أجل حماية الاستقرار. فما هو مطلوب منه سيكون أيضاً مطلوباً من العهد ومن حزب الله، والاثنان معنيان كلٌّ على طريقته بفتح ثغرة في الجدار المقفل، وإلا سيكون البلد أمام كباش أمني وانهيار منظومة الاستقرار تدريجاً.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا