النداءات المتكررة التي كانت تذاع في صالات سوبرماركت «كارفور» للتذكير بضرورة التباعد الاجتماعي لم تلقَ أي آذان صاغية. أساساً، لا مساحات تسمح بتحقيق هذا التباعد. «سباق» حقيقي يخوضه المتسوقون، منذ يومين، على كل ما يمكن أن تصل إليه أيديهم على الرفوف التي ما إن تُعاد تعبئتها حتى تفرغ من جديد. «قشّ» هؤلاء كل شيء. رفوف الـ«نسكافيه» الفارغة، مثلاً، توحي بأحد أمرين: إما أن الاقفال مستمر حتى السنة المقبلة أو أن الشركة التي تصنّعه أغلقت أبوابها نهائياً. اللبنة بكل أصنافها فُقدت نهائياً أيضاً. ومثلها معظم البضائع، حتى تلك التي يستحيل أن تُستهلك خلال أيام الإقفال: المحارم وورق التواليت ومساحيق التنظيف وعبوات المياه... وكل ما يمكن لعربات التسوق أن تستوعبه. «الناس يتسوقون كما لو أننا على أبواب مجاعة، لا بمقدار ما يحتاجون إليه لمدة أسبوع»، يقول موظف في «سوبرماركت العاملية» في حي معوض وهو يحاول، عبثاً، تنظيم الدخول. الطوابير الطويلة نفسها كانت أمام الأفران والملاحم ومحال بيع الحلويات والبزورات، بما يذكّر بالازدحامات التي تشهدها هذه الأماكن عشية الأعياد! صاحب محل للخضر في الضاحية «نزّل» في كل من اليومين الماضيين 200 صندوق من الخضر والفاكهة بعدما اعتاد بيع 50 صندوقاً يومياً.
الناس يتسوّقون كما لو أننا على أبواب مجاعة لا بمقدار ما يحتاجون إليه لمدة أسبوع

السباق المسعور يبدأ من مواقف سيارات معظم محال السوبرماركت، حيث يندر أن تجد موقفاً شاغراً. بعض الاستهلاكيات الكبرى نجحت في «التنظيم»، وبعدها استسلمت أمام «تسونامي» المتسوقين... فكانت فوضى. أول من أمس، عُزي هذا الجنون الى تسريب خبر كاذب عن إقفال حديدي لا يوفر حتى محال بيع المواد الغذائية. إعلان المجلس الأعلى للدفاع لاحقاً عن القطاعات التي يطالها الإقفال والاستثناءات التي يتضمّنها لم يخفّف من الحمّى. أمس، استمر الأمر على حاله. ويتوقع أن يسير اليوم على المنوال نفسه. كما بقيت من دون صدى تطمينات نقابة مستوردي الأغذية بأن مخازن المستوردين من كل الأصناف المعروضة في السوق متوفرة وبكميات تكفي البلد شهرين على الأقل!
«تهافت مبرّر» وفق رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو عشية إقفال يمنع تنقل البشر والسيارات، منتقداً قرار إغلاق المحال التي تبيع المواد الغذائية، وواصفاً إياه بأنه «مسلوق» و«خطوة متسرعة». فيما كان الأجدى تنظيم الأمر، كإدخال عدد معين من المتسوقين خلال ساعة، «وهذا أفضل بكثير من القرار الذي دفع الناس إلى هذا الهجوم الكبير لتخزين ما يحتاجون إليه وما لا يحتاجون». أما السماح لمحال السوبرماركت بـ«الدليفري» فقط، فأمر غير ممكن. «بعض المتاجر يقصدها 1000 متسوّق يومياً. كيف يمكن إرسال الطلبات الى كل هؤلاء؟ الأمر شبه مستحيل، ويستلزم عدداً كبيراً من الموظفين ويرتّب كلفة غير بسيطة على التجار». الأسوأ، وفق ما أكّد برو لـ«الأخبار»، أن أسعار بعض السلع «ارتفعت في اليومين الماضيين بنسبة تتجاوز ٢٠٪ بعدما زاد الطلب عليها بنسبة كبيرة. والناس رضيت بالزيادة لتخزّن حاجاتها». وهذا، بحسب برو، «غير خاضع للرقابة، بل لقانون العرض والطلب. عندما يزيد الطلب يرفع التجار والمحتكرون الأسعار، فيما البضائع متوفرة بكثافة ومكدسة منذ أشهر طويلة كي لا نقول سنوات... وبعض التجار قالوا لي شخصياً إن المخازن مليئة للسقف». نتيجة السباق، باختصار، أرباح ضخمة للتجار ومزيد من الارتفاع في أسعار البضائع.