إزاء ارتفاع معدّل الإصابات بفيروس «كورونا» في الأيام القليلة الماضية، بسبب فشل الدولة في إيجاد الضوابط للانحرافات الوقائية قبل وقوعها، ولا سيما في الأعياد وفي مراسم التعازي والحفلات وأماكن اللهو وغيرها، قرّر وزير التربية طارق المجذوب تعليق التعليم الحضوري في المدارس والثانويات إلى حين اتخاذ مجلس الأعلى للدفاع قراره بشأن الإقفال التام، ما يعيد إلى الواجهة، مجدداً، الإشكالية عن جدوى قرار إقفال المدارس خصوصاً أن تفاقم الواقع الوبائي حدث في ظل فترة العطلة المدرسية، ما يثير تساؤلات حول تأثير المدارس على المنحى الوبائي، وما إذا كانت موضع وقاية أم مصدر خطر؟بالعودة إلى تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، الشهر الفائت، وتحديداً حول الدول التي تمر في المرحلة الثالثة من الانتشار، يتضح أن لا وجود لمؤشرات أو دلائل قاطعة على أن فتح المدارس يساهم في زيادة انتشار الوباء، لأن شروط الوقاية قائمة بذاتها، بدليل أن الأطفال دون سن العاشرة أقل عرضة للإصابة بالفيروس مقارنة بغيرهم من الفئات العمرية، كما أن غالبية حالات العدوى التي أصيب بها أطفال في العالم كانت من المنزل وليس من المدرسة، علاوة على أن نسبة العدوى من طفل إلى طفل نادرة الحدوث، بحسب دراسة منظمة الصحة العالمية.
وما يعزز هذا المنحى من التفكير، هو أن الوقاية، كمصدر من مصادر مواجهة الوباء، التي يؤمّنها فتح المدارس، تتمحور على اتجاهين:
- الاتجاه العام: وهو العمل بالبروتوكول الصحي الإلزامي، وفق توصيات منظمة الصحة العالمية، وبالتدابير التربوية التي تنسجم مع التجربة التربوية الأميركية والفرنسية، القائمة على منهج «التعليم المدمج»، أي بالاعتماد على آلية التعليم الحضوري وطريقة التعليم عن بعد، وفي تقسيم الطلاب إلى مجموعات يتم ترتيب تواجدها في المدارس على أساس برنامج معين، بهدف الحد من خطر انتشار الوباء، والوقاية من أي ضرر. ويمكن، وفق هذه السياسات، تبديد الاعتقاد الذي يقوم على فرضية انتشار الوباء من خلال الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم العاشرة، حيث نشهد في هذه المرحلة العمرية نضجاً اجتماعياً لا نجده في مرحلة الطفولة التي تقل عن سن العاشرة، خصوصاً أن هذه المرحلة، كما أسلفنا، محدودة الانتشار لجهة الإصابات بالوباء.
- الاتجاه الخاص: وهو القائم على الوقاية الخاصة التي يؤمّنها فتح المدارس، على خلاف إغلاقها الذي يؤثر، بحسب منظمة الصحة العالمية، على مقتضيات العدالة في الوصول الى مكامن التعليم، وفي قدرة الأطفال النفسية بالاستمرار على انتهاج التعلم، كما يؤثر على مصير التغذية التربوية والصحية التي لا يقتضيها الكثير من المنازل بشأن التطعيمات الدورية، الوجبات المدرسية، البرامج التثقيفية...
في موازاة هذه المؤشرات النظرية، فإن الدلائل العملية تؤكد بأن فتح المدارس لم يكن السبب الرئيسي وراء الارتفاع الكبير الذي طرأ على عدد الإصابات في لبنان. وكانت نسبة الإصابات في المدارس محدودة جداً، مقارنة بالقطاعات الأخرى، وهذا ما أكده رئيس الحكومة حسان دياب في مؤتمره الصحافي الأخير، ولا سيما أن إحصاءات مؤسسات تربوية متخصّصة في أوروبا، تؤكد بأن معدل الإصابات شهد تزايداً ملحوظاً خلال العطلة المدرسية، وتحديداً في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا. وللدلالة، على هذا المعطى، فإن معدل الإصابات في لبنان ارتفع بشكل خطير خلال العطلة الميلادية للمدارس، بسبب التجمعات وتعليق الأجهزة الأمنية مسؤولياتها في كبح جماح الأسباب الموجبة للارتفاع بأقصى ذروته!
وفي هذا السياق، ثمة أسباب أخرى تدفعنا إلى الاعتقاد بعدم جدوى قرار إقفال المدارس، أبرزها البدائل، من خلال عملية التعليم عند بعد. إذ أن هذه العملية تستوجب شروطاً تقنية واقتصادية وتربوية غير متوافرة في لبنان، بسبب افتقار المناهج إلى شروط مماثلة للدول المتطورة وفق المقتضى التربوي العام، إضافة إلى تدني البنى التحتية اللازمة (إنترنت، كهرباء، منصة إلكترونية...). كما أن الأوضاع الاقتصادية لكثيرين تجعل من التعليم الاستثنائي فرصة مفقودة تطرح صراعاً اجتماعياً وطبقياً جديداً، وهذا ما يتعارض مع المادة السابعة من الدستور لجهة المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، ومع منطوق الفقرة «ج» من مقدمة الدستور لجهة وجوب تأمين العدالة الاجتماعية من دون تمايز أو تفضيل! أضف إلى ذلك أن اعتماد التعليم عن بعد، ولو في ظل هذه الظروف الاستثنائية، يحتاج إلى إقرار قوانين جديدة في المجلس النيابي لتعديل القوانين المرعية الإجراء، وهذا ما لم يحدث إطلاقاً!
لذلك، فإن إقفال المدارس، تحت ذريعة الارتفاع الجنوني للإصابات، وتحميلها فاتورة إزالة كل القيود أمام التجمعات الخطرة، ليس بالأمر السوي. وهو ما يدعو الدولة إلى إعادة النظر جيداً في الوسائل الوقائية المتّبعة، لأن المدارس من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تتحمل واجب تأطير الفرد في نظام صحي وتربوي تفتقده سائر مؤسسات التنشئة الاجتماعية ولو بصورة نسبية. لذلك، يجب إشراكها في تبديد المخاطر المشكوّ منها، وفي الوقت نفسه، التعاطي مع الواقع الوبائي المستجد بكثير من الموضوعية والمسؤولية والواقعية الغائبة في بعض دوائر القرار الذي يجب أن يُبنى على معطيات علمية دقيقة، لا على فرضيات لم تؤكدها منظمة الصحة العالمية حتى الساعة، بسبب انتفاء الدليل القاطع على سهولة وسرعة انتشار الوباء بفعل السلالة الجديدة!

*باحث في القانون الدستوري

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا