«الردّ على العقوبات الأميركية يكون بتطوير العلاقة مع التيار الوطني الحر»، عبارة وردت في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عقب فرض العقوبات على رئيس التيار جبران باسيل، وفي إطار الردّ على طلب باسيل ذلك. سريعاً، بدأ التواصل بين كوادر من الفريقين ليُتَوّج باتصال مطوّل بين نصرالله وباسيل، كانت خلاصته تشكيل لجنة من التيار وأخرى من الحزب لبدء التنسيق بينهما حول تطوير وثيقة تفاهم مار مخايل ومناقشة الملفات الملحّة بين الطرفين. اللجنة العونية تضم الوزير السابق سيزار أبي خليل والنائب آلان عون، فيما تضم لجنة حزب الله النائب حسن فضل الله ومسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله. انتقاء الفريقين لم يكن عبثياً: من جهة التيار، وقع الخيار على أبي خليل كونه تولى سابقاً التنسيق الوزاري بين الحزبين، ولأنه من المقربين من باسيل ومن المطّلعين على الملفات الحكومية التي يوليها التيار أهمية. أما عون، فسبق أن تولّى التنسيق النيابي بين الحزبين، فضلاً عن أن ثمة حرصاً لدى التيار على اختيار أشخاص ينتمون إلى مناطق أساسية بالنسبة إلى التفاهم، حيث يمكن العمل على القواعد الجماهيرية والنشاطات المشتركة. والأمر نفسه ينطبق على حزب الله، إذ أن أعضاء اللجنة الثلاثة كانوا حاضرين لدى صياغة ورقة التفاهم عام 2006.
باسيل يريد «بناء الدولة»
المآخذ العونية، على مستويَي القيادة والجمهور، تراكمت تجاه الحليف على مرّ السنوات، و«كان يفترض الحديث بها قبل حصول العقوبات، لكن ذلك كان سيُترجم خضوعاً للأميركيين»، تقول مصادر التيار. أما بعد العقوبات فبات بالإمكان التداول بها علانية، وأهمها «عدم مواكبة الحزب للتيار في معاركه ضد الفساد». العتب الكبير لدى قيادة التيار على ما تقول مصادره، ويتمحور حول البند الرابع من وثيقة التفاهم، وهو بند «بناء الدولة». المصطلح بحدّ ذاته فضفاض، إلا أنه يُفسّر عونياً «بتفعيل العمل المؤسساتي وإصلاحه، باستقلالية القضاء، احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية، محاربة الفساد عبر تفعيل عمل الجهات الرقابية ودعمها وإقرار قوانين تواكب الانهيار الاقتصادي كالتدقيق الجنائي والكابيتال كونترول». تؤكد المصادر أن «بناء الدولة لا يعني التصادم مع رئيس حركة أمل نبيه بري كما يحاول البعض أن يسوّق ولا المسّ به شخصياً، ونحن ندرك جيداً مدى حساسية الحزب حيال هذا الأمر». لكن يجب أن لا يتعارض هذا الأمر مع «أسس الإعداد لهذه الورشة الإصلاحية عبر رفع الحمايات الطائفية والحزبية والمناطقية. لذلك، يجب على التوافق، إن حصل، أن يقترن بآلية تنفيذية سريعة وضمن مهلة محددة».

(مروان طحطح)

البند الرابع، بالنسبة إلى باسيل، هو المدخل إلى استكمال تطوير ورقة التفاهم صوب البنود الأخرى. وبمعزل عمّا إذا تم الاتفاق أم لا، فإن موقف التيار من الدفاع عن لبنان ودور المقاومة «ثابت ولا يزال مقتنعاً بأن قوة الحزب تشكل مناعة للبلد ضد إسرائيل والإرهاب، وأن التفاهم حمى لبنان والوحدة الوطنية». الفارق الوحيد، هنا، أن «التيار يدرك جيداً أنه لا يمكن إفراغ الدولة من الداخل والاتكال على تقويتها تجاه الأخطار الخارجية. فالأمران متلازمان، ويمكن بسهولة للتيار وحزب الله إمرار الملفات التي يتفقان عليها، فنحن وهم نصف البلد». فيما عدم الاتفاق مع الحزب حول هذه المسألة يعني أن «تكتل لبنان القوي لن يعوّل بعد اليوم على وجود حليف بجانبه، وسيكون على علم أنه يسير وحيداً في المعركة التي بدأها منذ 4 سنوات».

«التغيير لا تُحدثه الثنائيات»
اللجنتان اللتان تشكّلتا حديثاً لم تحددا موعداً للاجتماع بعد، والتأخير مردّه، وفق مصادر مطلعة، إلى عدم وضع جدول الأعمال بعد. إشارة هنا إلى أن العمل يتمحور حول ورقة التفاهم التي وُضعت منذ 15 عاماً، لا على صياغة تفاهم جديد. لذلك تجري «غربلة» البنود واستبعاد تلك التي نُفّذت أو سقطت بمرور الزمن، لحصر النقاش بالنقاط التي لم تُنَفّذ وإضافة أخرى طرأت منذ عام 2006. و«التفاهم القيادي» سيشمل هذه المرة أنصار الحزبين، بمعنى أن التعاون الموجود أصلاً بين مختلف قطاعات الطرفين بحاجة إلى تفعيل. بالنسبة إلى حزب الله، «أُنجزت الدراسة السياسية لإعادة قراءة التفاهم، ولكن لم تكتمل الصورة بعد، إذ أن هناك أفكاراً أولية تشكل نواة مادّة تطويرية للتفاهم، إضافة إلى مجموعة عناوين مستجدّة. واليوم، لا يزال الحزب في إطار النقاش الداخلي ليذهب إلى النقاش مع التيار برؤية مشتركة». وفي هذا السياق، يوجد شقّان: شقّ له علاقة بالتنسيق الدائم وهو قائم في الإطار الحكومي والنيابي والحزبي. وشقّ آخر يُعنى بتطوير وإضافة بنود على التفاهم الموجود. «وبعكس ما يثيره البعض، فإن التفاهم بات أقوى من الماضي، وما الدليل على ذلك سوى محاولة الولايات المتحدة الضغط لفكّه من دون أن تنجح، لا بل عند تخيير باسيل بين حزب الله وأميركا، اختار حزب الله مع إدراكه لما سينتج عن هذا الخيار».
حماسة باسيل واندفاعه لهذه العلاقة لا يقابلها بعض المقربين منه بالحماسة نفسها


المشكلة هنا وفقاً لما تقوله المصادر، أن «حماسة جبران واندفاعه لهذه العلاقة لا يقابلهما بعض المقربين منه وأعضاء تكتله وفريق العمل المُعيّن حديثاً بالحماسة نفسها. فثمة من يعتبر أن هذا التفاهم انتهت صلاحيته أو أنه بات خارج الزمان والمكان خصوصاً بعد فرض العقوبات. وهذا يتطلب معالجة لإنجاح الاتفاق. من ناحية أخرى، يعتبر الحزب أنه هو والتيار قوتان أساسيتان ساهمتا بإرساء ركائز كثيرة في الدولة رغم الحرب على تفاهمهما، على اعتبار أنه نشأ من خارج منظومة قوى الطائف الحاكمة ويسعى لتنفيذ تغييرات جذرية في عمل المؤسسات والأجهزة». وهنا، للحزب نظرة أخرى حول آلية «بناء الدولة» التي تُفترض ترجمتها عبر قوانين وانتخابات ومحاسبة في القضاء. «الاختلاف الجوهري يكمن في اعتبار التيار أنه يمكن تنفيذ ذلك بالتفاهم مع حزب الله فقط، في حين يرى الحزب أن بناء الدولة لا يتمّ عبر الثنائيات ويجب أن يُستكمل بتفاهمات وطنية على مستوى أكبر. فبناء الدولة له ثلاثة مسارات: الأول عبر الثورة، والثاني عبر انقلاب عسكري والثالث عبر المؤسسات. الخيار الأول لم ينجح، الخيار الثاني غير وارد، والثالث هو المتفق عليه بين الحزب والتيار». الحديث عن عمل ضمن المؤسسات «يعني إقرار قوانين إصلاحية في مجلس النواب وإجراء تعديلات دستورية والذهاب إلى انتخابات نيابية وفق قانون يسمح بتبديل الطبقة السياسية الحاكمة. تلك المتطلّبات لا يمكن لكتلتَي التيار والحزب تحقيقها من دون مساندة كتل أخرى. فعلى سبيل المثال، قانون استقلالية القضاء عالق في لجنة الإدارة والعدل. وثمة اختلاف على مادة في قانون الإثراء غير المشروع وانقسام عَمودي للأحزاب حياله. واقتراح تعديل قانون محاكمة الرؤساء الذي تقدم به النائب حسن فضل الله، لإزاحة الحصانات السياسية والمذهبية عن أيّ فاسد، سقط لأن الكتل التي وقّعت عليه هي نفسها التي صوّتت ضدّه». ذلك يؤكد مرة أخرى أن «العقلانية» في طرح التصورات هي الأساس في إرساء ولو ركيزة واحدة من ركائز بناء الدولة، ويحتاج إلى أيادٍ عديدة... أو أقلّه انتخابات نيابية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا