في دفعةٍ جديدة من وثائق وزارة الخارجية البريطانية، سرّبتها مجموعة «أنونيمِس» بعنوان «حصان طروادة حكومة صاحبة الجلالة. الجزء الثاني: التسلُّل إلى لبنان - الجزء الأوّل»، تتكشّف مساعي المملكة المتحدة للعب دورٍ مؤثّر على الساحة اللبنانية، عبر مجموعة أدوات ليس الإعلام ومنظمات المجتمع المدني إلّا في صلبها. وثائقُ تُبيِّن كيف حاولت الحكومة البريطانية، عبر وكلاء علاقات عامة، النفاذ إلى المؤسّسات اللبنانية من خلال «جواسيس»، في موازاة استهداف شريحة من الجمهور المحلّي لتتكفّل بـ«التغيير الاجتماعي الإيجابي» عبر مجموعة مبادرات وُضعت خصوصاً لتحقيق تلك الغاية.في مطالعتها، تقول «أنونيمِس» إن الهدف مِن إطاحة النظام اللبناني - الذي تصفه بـ«العلمانيّ»، ولا سيّما أنه يشهد تعايشاً «سلميّاً» مع المسيحيين والمسلمين السُنّة منهم كما الشيعة - تمكين لندن من «تحقيق أهدافها الإمبراطورية»، و«(إننا) سنرى بأنفسنا كيف عرضت حكومة صاحبة الجلالة مساعدة السلطات اللبنانية لخداعها لاحقاً بقبول جواسيس بريطانيين في المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، والخدمات الخاصة، والقوات المسلحة، ووسائل الإعلام». وتسأل: «كيف تدفع الناس إلى إطاحة حكومتهم إذا كانوا راضين بشكل أساسي عن عملها؟» (هكذا وردت العبارة في مطالعة «أنونيمس»). على أن الخطوة الأولى تتمثّل في تعيين مختصّين ذوي خبرة يعرفون كيفيّة التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإطاحة حكوماتها، أي الاستخبارات البريطانية التي تقول «أنونيمِس»، نقلاً عن وثائق وزارة الخارجية البريطانية، إنها أَنشأت شبكة من الصحافيين المستقلّين وكذا منظمات المجتمع المدني المستقلّة. لكن هذا الشغل ما كان ليُنجَز من دون شركة العلاقات العامة المتعاقدة مع الحكومة البريطانية «تحليل المعرفة البحثية» Analysis Research Knowledge واختصاراً ARK (لعبت دوراً رئيساً في الحرب الإعلامية الشاملة على سوريا).
نيابة عن سفارة المملكة المتحدة لدى لبنان، قامت «إيه آر كيه»، التي تعرِّف عن نفسها بأنها «منظّمة إنسانية غير حكومية»، في آذار/ مارس 2019، بتحديث دليل «تحليل الجمهور المستهدَف حول فهم مشهد الاتصالات في لبنان» لعام 2016، الذي استخدمته وزارة الخارجية البريطانية كخريطة طريق ترشدها في الاتجاه المنشود. «التحليل» هو العنوان، لكن المحتوى ليس سوى دليلٍ لكيفيّة «إطاحة لاعنفية لحكومة لبنان». وفيه، مثلاً: «في حين أن البحث الذي أُجري في هذه النسخة المحدّثة لعام 2019 حول تحليل الجمهور المستهدَف، حدّد عدداً من نقاط الدخول المحتملة للاتصال الاستراتيجي الساعي إلى منع الصراع، وتعزيز السلام، واستنباط إمكانية التغيير الاجتماعي الإيجابي...». تعتبر ورقة «إيه آر كيه» أن التغيير الاجتماعي يميل إلى الحدوث ببطء، ومن غير المرجّح أن يسهم الدعم الواسع النطاق لحلّ النزاعات سلميّاً بشكل كبير في أهدافها، من دون الاستعداد والقدرة على الانخراط في العمل السياسي. لذلك، حدّدت، في نسختها المحدّثة، نقاط دخول محتملة لتعزيز إمكانية «التغيير الاجتماعي الإيجابي». إلى جانب ذلك، تبيّنت شركة العلاقات العامة أن المخاوف الاقتصادية تسيطر، بالدرجة الأولى، على هواجس اللبنانيين. وعليه، رفعت شعارات حول خلق فرص عمل، والتخفيف من حدّة الفقر ومخاطر التضخم. ومضت للإشارة إلى ما يمكن فعله لتمكين اللبنانيين ودفعهم إلى المساهمة في «التغيير الاجتماعي الإيجابي»، وكذلك كيفية تنمية الجمهور المستهدَف المحتمَل ليشتمل على فئات أخرى. على أن العمل المثالي للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية يُعدُّ في صلب التغييرات المستهدفة. لهذا، تمتلك «حكومة صاحبة الجلالة» العديد من المشاريع الأمنية، ومشروعاً لتعزيز قنوات الاتصال بين السلطات والأفراد، وهي تضع «مكافحة الفساد» في أولوياتها. وتقدّم «إيه آر كيه» توصيات إلى الحكومة البريطانية في شأن المخاطر المحتملة:
- يجب أن تكون أهداف التغيير الاجتماعي التي يجري الترويج لها قصيرة الأجل وواقعية وقابلة للتحقيق. وإلّا فقد تقوّض ثقة الجمهور بإمكانية الإصلاح.
- على الحكومة إخفاء مشاركتها، لأن اللبنانيين ينظرون إلى النفوذ الأجنبي على أنه واسع الانتشار وسلبي في الغالب.
- لا ينبغي للحكومة أن تستهدف فئات طائفية معيّنة في جهودها للتغيير الاجتماعي، لأن اللبنانيين يفضّلون الحكومات الجامعة.
يحدد تحليل «إيه آر كيه» المسيحيين والشيعة الذين يبلغون من العمر 30 عاماً تقريباً، باعتبارهم «الجمهور المستهدَف»


حقّق دليل «تحليل الجمهور المستهدَف» لـ»إيه آر كيه» في شأن أيّ جزء من الجمهور اللبناني يمكن تحريضه بسهولة للتمرّد ضدّ الحكومة: حدّد شريحة السكان، والجمهور المستهدف المحتمَل (PTA) الذي يرى أن هناك حاجة كبيرة إلى الإصلاح، أو للتأثير على «التغيير الاجتماعي الإيجابي». من بين جميع اللبنانيين، كانت هناك شريحة هي الأكثر احتمالية للانخراط في أشكال «العمل المدني الإيجابي»، إذا أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك. تحلّل ورقة «إيه آر كيه» أيضاً «الرسائل المحتملة» التي يمكن أن يستخدمها «الاتصال الاستراتيجي» لتحريض المجموعة المستهدَفة. وتشير نتيجة التحليل المتطوّر للغاية إلى المسيحيين والشيعة الذين يبلغون من العمر 30 عاماً تقريباً، باعتبارهم «الجمهور المستهدَف» الذي يمكن أن يدفعه «الاتصال الاستراتيجي» إلى العمل من خلال التركيز على مظالم هذه الفئات، مثل ندرة الوظائف. ويقدّر التحليل أن الجمهور المستهدَف المُحدّد بهذه الطريقة، يشمل حوالى 12% من سكان لبنان.
تبنّت الحكومة البريطانية النصيحة، بعدما أعدّت «إيه آر كيه» ورقة «الجمهور المستهدَف»، في آذار/ مارس 2019، عَقدت السفارة البريطانية في بيروت حدثاً خاصاً لأصحاب المصلحة في 11 نيسان/ أبريل 2019، خُصّص لبرنامج الإصلاح السياسي في لبنان. يوضح عرض تقديمي من الحدث أن الحكومة البريطانية تهدف إلى «تحسين الحكم السياسي والاقتصادي» في لبنان. وهي أرادت القيام بذلك عن طريق التحريض، سرّاً، على «الجمهور المستهدَف» الذي حدّدته «إيه آر كيه» للانتفاض على الحكومة.
وتم تحديد ثلاثة مشاريع للإصلاح السياسي:
- المشاركة السياسية للنساء.
- تعزيز الآليات الديموقراطية للإصلاح والمساءلة والحوار.
- المشاركة السياسية للشباب.

توصي «إيه آر كيه» بضرورة إبقاء برنامج «الاتصال الاستراتيجي» البريطاني للتحريض على التمرّد في لبنان سريّاً


ثم دعت الحكومة البريطانية بعض الشركات الخاصة إلى طرح مناقصات لتنفيذ مشاريع «الاتصال الاستراتيجي». كان من المقرّر أن تُقدّم الشركات عروضاً مفصّلة بحلول أوائل أيار/ مايو 2019، على أن تدخل العقود الممنوحة حيّز التنفيذ في تموز/ يوليو 2019، وتستمرّ لمدّة 21 شهراً. ولكل مشروع من هذه المشاريع موازنة قصوى محدّدة: على سبيل المثال، سيكون لمشروع المشاركة السياسية للنساء حداً أقصى يبلغ 1.2 مليون جنيه إسترليني. قدمت «إيه آر كيه» عرضاً لتنفيذ مشروع الشباب كما فعلت «إنترناشنِل أليرت» بالتعاون مع مؤسسة «وستمنستر» للديموقراطية. وقدمت شركة WYG التي من المفترض أنها تقوم «بتطوير البنية التحتية» عرضها أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «إيه آر كيه» و»المجلس الثقافي البريطاني» اللذين قدّما عرضاً في شأن مشروع مشاركة المرأة الذي يهدف إلى رعاية سياسيات المستقبل في لبنان.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا