في زمن «كورونا»، يختبر التعليم في مرحلة الروضات تجربة قاسية، كونها لا تشبه أيّاً من المراحل الأخرى للتعليم النظامي. هنا الأطفال يلعبون، يتحركون، يخطّطون، يطوّرون خيالهم، يحاكون الآخرين، يلتزمون بالتعليمات، والأهم أنهم يتعلمون بلا خوف من النتائج. فيما تشكّل المدرسة المكان الحاضن لشخصية التلميذ وتكوين هويّته الذاتية والاجتماعية.مع إقفال المدارس وفرض «التعلّم عن بُعد» خياراً وحيداً في بعض المدارس الخاصة، يتسمّر الصغير أمام الشاشة في حيّز ضيق لبضع ساعات، يتلقّى خلالها تعليماً ذهنياً فحسب، بلا رفاق يتفاعل معهم، ثم يمكث ساعات موازية في فترة بعد الظهر تتحوّل خلالها الأم أو الأب إلى معلمين عليهما أن يكونا خبيرين بطرائق التدريس لتثبيت المفاهيم والأهداف التي تعلمها ولدهما في الصباح.
«التعليم عبر الشاشة صيغة غير ملائمة للطفل ومرفوضة»، بحسب الأستادة الجامعية والاختصاصية في الطفولة المبكرة فاديا حطيط. إذ إنّ «الساعات المقرّرة للتعليم يجب أن يقضيها الطفل مع رفاقه في حيّز واسع يتحرّك فيه ويلعب ويسمع الأصوات». لذلك، «العودة إلى المدرسة ضرورية إذا لم نستطِع إيجاد صيغ جديدة للتعلّم عن بُعد، كاصطحاب الأطفال للتعلم في الطبيعة. أعرف أشخاصاً قرّروا أن يأخذوا أولادهم مع بعض الرفاق وبالتنسيق مع بعض المعلمات للعب والتعلم في أحد الأحراج»، أو «يمكن الاتفاق مع أربعة أو خمسة رفاق في الحي والاجتماع في منزل واحد وإيجاد التفاعل في ما بينهم، لأنه لا يمكن تحقيق أيّ معرفة بفصل التعليم الذهني عن التعليم الاجتماعي والعاطفي في هذه المرحلة الحساسة من عمر التلميذ».
لا يفهم أحد الآباء كيف سيمسك «ابن السنوات الأربع القلم، وكيف سيتعلّم ابن السنوات الست القراءة والكتابة من دون معلّمة تتابعه عن قرب، وكيف سيكتسب مفردات أجنبية بالتواصل المباشر في الصف من دون أن يتحسّس الأشياء بيده ويلعب بالألوان؟». وتبدو إحدى الأمهات مقتنعة بأنّ التعلم عن بعد بشكله الحالي «مجرد روتين... التلميذ يستيقظ في وقت محدّد ولديه برنامج يتبعه خلال ساعات النهار، لكنّه ليس طريقة مجدية لتثبيت الأهداف التعلّمية على المدى البعيد»، لافتة إلى أن مدرسة ابنها اكتفت بالتعليم بالبصريات (فيديوهات، باور بوينت...) وأرجأت الأنشطة الكتابية إلى ما بعد العودة إلى التعليم الحضوري.
لا يمكن تحقيق أيّ معرفة بفصل التعليم الذهني عن التعليم الاجتماعي والعاطفي في هذه المرحلة الحساسة


«وُضعنا أمام خيارَين أحلاهما مرّ»، كما قال محمود قطايا، أب لتلامذة في الروضات ومنسّق الشؤون المالية في اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس. بحسب قطايا، «الوضع الصعب والأم ليست معلمة ولا يجوز أن يُلقى على عاتقها هدا الحمل الثقيل. لكن، في المقابل، التعليم الحضوري دونه مخاطر لأنّ وزارتَي الصحة والتربية لم تقوما بواجبهما الصحي والوقائي في المدارس لا سيما لجهة نشر مراقبين صحيين، كما أن الأطفال ينحون إلى تبادل أشيائهم مع أقرانهم وقد ينقلون الفيروس إلى أسرهم من دون أن تظهر عليهم العوارض».
لكن، «المفترَض أن المدرسة مكان آمن صحّياً». لذلك، تستغرب الأستاذة الجامعية زينب خليل كيف تمرّ «القرارات الارتجالية» لوزارة التربية بإقفال المدارس من دون أيّ معارضة أو نقاش في الحيز العام. فما يجري «تدمير لجيل كامل... الأولاد يخسرون تعليمهم للسنة الثانية وصحتهم النفسية باتت في خطر، ويفتقدون للتفاعل الاجتماعي، من دون أن يرفّ جفن لأحد». وتشدّد على أنه «ليس هناك سبب منطقي لإغلاق المدارس حتى في فترة الإقفال العام، كون المدارس هي البيئة الأكثر أماناً».
بحسب الخبيرة التربوية إيمان حنينة، «طرائق التدريس لم تتعدّل بمجملها عند الانتقال إلى التعلم عن بعد، فما يتوفر في التعليم الحضوري من تواصل شفهي وإيماء جسدي ومهارات نفس حركية لا ينطبق على البديل الذي يُلزم الصغار بالتسمّر أمام الشاشات. زد على ذلك أنّ الأهل تحولوا بين ليلة وضحاها إلى معلمين يفترض بهم أن يملكوا مهارات وكفاءات تعليميّة، ويتحمّلوا عبء تعليم الصغار، خصوصاً في مرحلة الروضات». لذلك اقترحت أن تكون هناك «قناة تلفزيونية للأطفال بالتنسيق بين وزارتَي الإعلام والتربية، وهي وسيلة متاحة للجميع، تبثّ داخلياً على كل الأراضي اللبنانية ما يساهم في تقديم تعليم عادل وتوحيد الموارد والأفلام والمواد المنتجة وطنياً».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا