تحاول المصارف اللبنانية تسريع صفقات بيع وحداتها الخارجية. «بلوم بنك» يحاول إنهاء صفقة بيع «بلوم مصر» الشهر المقبل، بينما يسعى بنك «عوده» إلى بيع الوحدات التابعة له في الأردن والعراق ومصر. الهدف هو زيادة السيولة الخارجية بالدولار تطبيقاً للتعميم 154 الذي فرض على المصارف تكوين احتياطات حرّة خارجية بنسبة 3% من مجموع ودائعها بالدولار، وتحصيل الأرباح الناتجة من عملية البيع بعد تنزيل قيمة الاستثمار الموظّف في هذه العمليات من أجل زيادة الرساميل وتعزيزها. هذه الإجراءات تأتي في ظلّ الخسائر التي تكبّدتها المصارف من توظيفاتها في سندات اليوروبوندز ومن إيداعاتها لدى مصرف لبنان، فضلاً عن الخسائر المتوقّعة في محفظة القروض للقطاع الخاص، التي باتت تفوق 20%، رغم كل عمليات التجميل التي نفّذتها المصارف في الأشهر الأخيرة ولا تزال تقوم بها، سواء عمليات إعادة الجدول أو التأخير في تصنيف الزبائن المتعثّرين.
(هيثم الموسوي)

يحاول «بلوم بنك» إنهاء صفقة بيع «بلوم مصر» الشهر المقبل. ورفضت مصادر معنية تقديم معلومات تفصيلية حول الصفقة، لكنها أشارت الى أن العروض التي تلقّاها المصرف من أجل بيع «بلوم مصر» لا تزال في مرحلة «الفحص النافي للجهالة» (Due Diligence)، إلا أنها صارت في مرحلة يتقدّم فيها الشاري بعرض يمهّد لاتفاق على البيع في تشرين الثاني المقبل.
ويشير المتابعون الى عرضَين مقدّمَين لشراء «بلوم مصر»؛ الأول من المؤسسة العربية المصرفية ــــ مصر والمملوكة بنسبة 99.8% من المؤسسة العربية المصرفية في البحرين، وهذه الأخيرة مملوكة من مصرف ليبيا المركزي بنسبة 59.37% ومن الهيئة العامة للاستثمار في الكويت بنسبة 29.69% ومن مساهمين آخرين يحمل كل منهم أقل من 5%. أما العرض الثاني فهو من بنك الإمارات دبي الوطني المملوك من حكومة دبي بنسبة 55.76% ومن «كابيتال استس ش ذ م م» بنسبة 5.33%، علماً بأن عدد المساهمين فيه يبلغ 2050 مساهماً، وحصّة الأجانب من الأسهم تبلغ 11.12%.
المنافسة بين الطرفين للفوز بهذه الصفقة لا تزال قائمة، لكنّ المطّلعين على السوق المصرية يرون أن العرض الأفضل الذي قد ترسو الصفقة عليه مقدّم من المؤسسة المصرفية العربية، علماً بأن ترجيحات كهذه قد لا تكون دقيقة.
على أي حال، فإن قيمة الصفقة ليست واضحة بعد، وخصوصاً أنها تتم تحت ضغط زائد على «بلوم بنك» في لبنان من أجل تعزيز سيولته ورساميله بعملات أجنبية وافدة. وبحسب التقديرات، فإن قيمة الصفقة لن تقلّ عن 250 مليون دولار (1.9 مرة القيمة الدفترية لرأس المال)، لكنها لن تتجاوز هذا السقف كثيراً. ففي حزيران 2020، بلغت أصول «بلوم مصر» المصرّح عنها نحو 2.84 مليار دولار (احتسب على أساس كل دولار يساوي 15.71 جنيهاً مصرياً)، وبلغت قيمة ودائعه نحو 2.47 مليار دولار، ولديه قروض للزبائن بقيمة 814 مليون دولار، ورأسماله يبلغ 127 مليون دولار، بينما أرباحه بلغت 32.8 مليون دولار. وهذا يعني، بالنسبة إلى «بلوم بنك» في لبنان، أنه سيحقق أرباحاً كبيرة خلال فترة الاستثمار الممتدة من مطلع 2006 لغاية اليوم. فهو استثمر في ذلك الوقت نحو 97.8 مليون دولار من أجل شراء هذا المصرف الذي كان اسمه «بنك مصر رومانيا» الذي كان مملوكاً من الحكومة المصرية ومن «رومانيا بنكا كوميرسيالا».
عندما تبيع المصارف وحداتها الخارجيّة فإنّها ستخسر دخلاً بالدولار مقابل تراجع قيمة مداخيلها المحلّية بالليرة


الأرباح الناتجة من الفرق بين قيمة الاستثمار وقيمة الصفقة، ستدخل كأرباح في رأس مال «بلوم بنك»، وستستعمل هذه الأموال كسيولة تعزّز الموجودات الخارجية للمصرف. لكن هذه السيولة لن تكون كافية من أجل تغطية ما يفرضه التعميم 154 الصادر عن مصرف لبنان والذي يطلب من المصارف تكوين احتياط حرّ خارجي بنسبة 3% من مجموع الودائع بالدولار، علماً بأن مصادر في «بلوم بنك» تشير إلى أن سيولتها الخارجية «ليست سلبية كما هي الحال في العديد من المصارف». كذلك، فإن احتساب المبلغ في رأس المال لن يكون كافياً من أجل تطبيق تعميم مصرف لبنان الذي ينصّ على زيادة الرساميل خلال مهلة تنتهي في شباط المقبل.

... و«عوده» أيضاً!
الأمر نفسه ينسحب على نتائج بيع الوحدات الخارجية في بنك عوده. وفي حالة فرع مصر، فقد شهدت المفاوضات مع «بنك أبو ظبي الأول» تقدماً كبيراً، لكنّها توقفت بسبب الأزمات الناجمة عن انتشار وباء كورونا، علماً بأن متابعين يرون أن توقف المفاوضات سببه عدم الاتفاق على السعر الاسترشادي للصفقة، وأن المفاوضات لم تستأنف إلا بعد خفضه بنسبة كبيرة. لكن مصرف عوده يواصل المفاوضات لبيع وحداته في الأردن والعراق ويتوقّع إنجازها قريباً.
وكان بنك عوده قد دخل إلى السوق المصرية في وقت مواز لدخول «بلوم بنك» إليها. ففي عام 2006، استحوذ على «بنك القاهرة الشرق الأقصى» الذي كان مملوكاً من 5 مصارف كورية (%49) ومؤسستَين حكوميتَين مصريتَين هما: الشرق للتأمين (%20) وبنك القاهرة (%19) بثمن يبلغ 94.4 مليون دولار. ثم وسّع أعماله هناك إلى أن استحوذ في عام 2018 على الوحدة التابعة لـ«البنك الأهلي اليوناني» في مصر، بقيمة 110 ملايين يورو، وبات رأسماله هناك يبلغ 445 مليون دولار.
المشكلة بالنسبة إلى المصارف اللبنانية التي تبيع وحداتها الخارجية، أنها ستخسر دخلاً مهماً. فـ«بلوم بنك» صرّح في ميزانيته نصف السنوية المنشورة بأن الأرباح المتأتّية من «بلوم مصر» تمثّل 59.3% من الأرباح المجمّعة من كل الوحدات المحلية والخارجية، علماً بأن أرباحه الإجمالية تراجعت من 238 مليون دولار إلى 38.8 مليون دولار في النصف الأول من السنة الجارية. أما مساهمة أرباح «بنك عوده ــــ مصر» في المجموعة اللبنانية، فهي تبلغ 15.9% بحسب تصريح أخير للرئيس التنفيذي للوحدة العاملة في مصر محمد بدير. في المجمل، إن الإيرادات الخارجية مهمة في ظل ضحالة الإيرادات المحلية التي تتكوّن بغالبيتها من فوائد محصّلة من توظيفات في سندات الخزينة بالليرة وشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان، وهذه الأخيرة باتت تدفع مناصفة بين الليرة والدولار المحلي غير القابل للتحويل. وبالتالي، فإن المداخيل المحلية قد لا تكون مهمة جداً في ظل انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وقياساً على التزامات المصارف الهائلة تجاه الزبائن بالدولار والضغوط التي تتعرّض لها من أجل التحويل إلى الخارج (طلاب، عمليات تجارية... الخ). أما إذا سلكت المصارف طريق تطبيق خطّة التعافي الحكومية، فإنّ كل رساميلها ستذوب، وبالتالي لن يبقى أمامها سوى بيع أصولها في الخارج لتعزيز رساميلها وسيولتها بأموال طازجة يمكن أن تبقيَها على قيد الحياة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا