غيّب الموت أول من أمس ابن عمشيت، المحامي والمناضل عبد الله زخيا. مذ تعرّفت إليه رفيقاً وزميلاً للراحلين الوزير السابق جوزيف مغيزل، والرائدة الحقوقية لور مغيزل والقاضي الرئيس عبد الباسط غندور، والمحامي المتميز إبراهيم العبد الله وعدد آخر من النخبة اللبنانية العاملة في «الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان»، كنورما ملحم، وأليس كيروز سليمان، وليلى بعلبكي حرب، وأمل ديبو، اكتشفت في المحامي عبد الله زخيا نوعاً من الرجال تميّز بالانتصار لكل حق، سواء كان الحق للإنسان، ولا سيّما المرأة، أم للطبيعة، ولا سيّما البيئة، مقدّماً للمجتمع اللبناني نموذجاً لرجل المبادئ الذي لا يساوم، ولرجل الانتماء الذي لا تغيّره الزلازل والعواصف.كان طموحه أن يرى بلاده وارفة بالطبيعة الخلابة، حتى إذا واجهته الصعاب والمعوقات والمصالح الشرهة، انكفأ إلى بيته في ساحل عمشيت يحوّله إلى محميّة ممتلئة بالزهور والنباتات والأشجار التي أتى بها من القارات الخمس، كما أشارت ربى الحلو في مقالتها المميّزة عنه في «الأخبار» (الإثنين 31 آب 2009).
ولم يكن ممكناً للقيّمين على مخيمات شباب لبنان الواحد والشباب القومي العربي أن يزوروا عمشيت، العابقة بالعطاءات الإنسانية، وإلا ويكون ضمن برنامجهم زيارة «محمية» عبد الله زخيا، واللقاء بالرجل القليل الكلام، لكن الساحر في الحديث حين يتحدث، وكان يصطحبهم، شباباً وشابات في جولة على البيوت والمواقع الأثرية في مدينة لبنانية خرجت من شواطئها وشواطئ توأمها جبيل حمَلة الأبجدية إلى العالم.
كان المحامي عبد الله زخيا تلميذ المحامي الكبير الراحل عبد الله لحود، متدرّجاً في مكتبه، يساري الميول، اختار كوبا مكاناً يمضي فيه شهر العسل مع «عروسه» الفرنسية، ويرى فيها النموذج الحقيقي للمجتمع الاشتراكي الذي كان زخيا مؤمناً بأفكاره، ولم يكن منتسباً إلى أحزابه. وكان ابن عمشيت المولود مارونياً، عروبياً في نزعته الثقافية والحضارية، وعضواً رئيسياً في هيئة «النادي الثقافي العربي» منذ أوائل الستينيات وحتى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، يوم كان الراحل جوزف مغيزل رئيساً لهذا النادي.
لم يكن عبد الله زخيا مناضلاً حقوقياً في الصالونات، كما يفعل بعضهم في جمعيات هذه الأيام، بل كان يخوض المعارك ضد كل انتهاك لحقوق الإنسان أو الطبيعة. ونجح في أكثر من مرّة في إغلاق كسّارة هنا أو مقلع هناك، وهو صاحب الشعار الشهير في أصحاب المقالع والكسارات أنهم نقلوا المنطقة من «عصر معابد الحب إلى عصر حفاري القبور».
وكأن قوله هذا قبل عقود كان نذيراً لما آلت إليه أحوال لبنان اليوم، وقد انتقل من بلد المهرجانات والأفراح إلى بلد الجنازات والمآتم.
لا يمكن أن نذكر اسم عمشيت الجميلة الهانئة المستريحة على كتف الجبل، والمطلة على آفاق البحر، من دون أن نذكر عبد الله زخيا، العنيد كالصخر في الدفاع عن الحق، والنهر المتدفق في العطاء والفكر الإنساني.
رحمه الله

* عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى القومي العربي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا