على وقع التراجع التدريجي عن قرارات الإقفال والتعبئة العامة، يتواصل تسجيل مئات من الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في مسارٍ يدنو يومياً نحو الكارثة.«الوضع غير مطمئن»، قالها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، أمس، بعد تسجيل 676 حالة (672 مُقيماً وأربعة وافدين) ليرتفع إجمالي المُصابين الفعليين إلى 11 ألفاً و205، فضلاً عن تسجيل حالتَي وفاة جديدتين ليصل مجموع الضحايا الذين حصدهم الوباء الى 148.
ومن بين الإصابات 19 حالة سُجلت في صفوف العاملين في القطاع الصحي، وهو مؤشر يُنذر بالأسوأ الذي قد تكون البلاد على موعد معه في حال بقاء منسوب الإصابات على ما هو عليه وفي حال بقاء جهوزية القطاع الصحي في المستوى نفسه.
فرغم «رضوخ» المُستشفيات الخاصة وتجاوبها مع دعوة وزارة الصحة لها الى «المُساهمة في تقديم الخدمات الطبية في إطار مواجهة التفشي المحلي لفيروس كورونا»، إلّا أن هذه الخطوة غير كفيلة باستيعاب الأزمة الصحية التي تعصف بلبنان ما لم تُعزّز بخطوات رديفة بعضها «بديهي»، كتأمين مراكز للحجر الصحي، وهي خطوة لم تستقم حتى الآن!
وحتى ليل أمس، كان عدد المرضى في المُستشفيات قد وصل إلى 297 شخصاً، 90 منهم حالتهم حرجة، فيما تقول معطيات «الصحة» إن غرف العناية الفائقة لمعظم المُستشفيات الحكومية المُخصصة لكورونا (أي تلك القابلة للتشغيل) شارفت على بلوغ قدرتها الاستيعابية. وفي وقت تُفيد فيه أرقام نقابة المُستشفيات الخاصة بوجود 500 سرير مجهّزة لمرضى كورونا ما بين حالات استشفاء عادي وحالات حرجة، وفي ظلّ توقعات بمواصلة تسجيل الآلاف من الإصابات مع نهاية أيلول المُقبل والتقاء ذروة الموجة الأولى مع بداية الموجة الثانية مطلع الشتاء، وبالتالي تضاعف الأعداد، لا يبدو أنه سيكون ثمة مخرج من الأزمة ما لم تتخذ خطة طوارئ حاسمة واستراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار جميع التحديات.
غير أن الأسابيع الماضية برهنت على أن خيار الإقفال وتفعيل قرارات التعبئة العامة دونه تحديات اقتصادية أكثر قسوة من الأزمة الصحية، فيما لا يزال المطلوب «بسيطاً جداً»، وهو الالتزام بالتباعد الاجتماعي والتدابير الوقائية بحيث «يتم التوصل إلى المواءمة بين الاستمرارية في الحياة العامة ولو بنشاط أقل من النشاط المعتاد مع التزام الضوابط، فلا تتزايد احتمالات تفشي الوباء وخروج الأمور عن السيطرة التامة»، على ما قال حسن أثناء افتتاحه الجناح المخصص لكورونا في مُستشفى الزهراء.
وإذا كان الرهان على «ضمير» الوافدين سابقاً قد فشل في ما يتعلق بالالتزام بالحجر، فإن التشكيك بالتزام المُقيمين بإجراءات التباعد يغدو مشروعاً ويفرض تساؤلات عن خطة تفعيل الرقابة على الإجراءات المطلوبة من السلطات المعنية والتي لا تُكلّفها شيئاً. فإذا كان خيار التخلي عن الإقفال أفضل الأمرّين، لا يوجد ما يمنع السلطة من فرض الالتزام بتدابير الوقاية. الوضع غير مطمئن على ما قال حسن. المطلوب أن تتصرف السلطة على هذا الأساس إذاً، وبعيداً من «حصرية» إلقاء اللوم على الناس هذه المرة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا