رُفِع الحصار الأميركي والدولي عن لبنان، أو على الأقل، هذا ما أوحت به مجريات اليومين الماضيين. ففيما كانت رئاستا الجمهورية والحكومة ترزحان تحت مقاطعة غربية وخليجية شبه تامة، تلقّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصالاً هاتفياً من الرئيس الاميركي دونالد ترامب لتقديم التعازي بضحايا الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 آب. والنظرة الأميركية إلى عون سادها التوتر، فبقيت البرقية أقصى طرق التواصل بين الرئيسين خلال المناسبات. لذلك، لم يسجل أي لقاء ثنائي مباشر بينهما، فيما قابلت إدارة ترامب حكومة حسان دياب بـ«حيادية كلامية» في المرحلة الأولى، قبيل معاداتها لاعتبارها «حكومة حزب الله». مذذاك، بدأ المسار التصاعدي للحصار السياسي والاقتصادي خارجياً وعبر حلفاء أميركا في الداخل، وصولاً الى التصريحات الهجومية لكل من وزير الخارجية مايك بومبيو والسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا. كل الإشارات أوحت بمعركة أميركية شرسة ضد رئاسة الجمهورية والحكومة ومن ورائهما حزب الله، في موازاة إعادة لمّ شمل قوى 14 آذار أنفسهم، وكأن عقارب الساعة عادت الى العام 2005 بقيادة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط نفسه، الذي يهاجم حزب الله والعهد ورئيس الحكومة بذرائع شتى، فيما مشكلته الرئيسية هي في عدم الوقوف على خاطره في تعيينات مصرف لبنان وقيادة الشرطة القضائية وموقع المدير العام لوزارة الصحة. غير أن تطورات اليومين الماضيين، أعادت إنعاش السلطة السياسية، ولا سيما بعد وصول الحكومة اللبنانية الى حائط مسدود بعد فشلها في الدفاع عن خطتها المالية، وتضييق الخناق الأميركي والفرنسي والخليجي للضغط على السلطة السياسية عبر تسريع الانهيار. زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت كانت أول الغيث. تدفق المساعدات الدولية والعربية، السعودية خصوصاً، بشكل مفاجئ، أخرج العهد والحكومة من العناية الفائقة. أما اتصال ترامب يوم أمس بعون لتأكيد «وقوفه الى جانب لبنان في هذه الظروف، وأن مساعدات عاجلة سترسل الى بيروت للتضامن مع شعبها»، فتلك الدلالة الأبرز على فتح صفحة جديدة، ربما، تفادياً للانهيار الشامل الذي كان يغرق فيه لبنان. غير أن الانفتاح والدعم الخارجيين لن يجديا نفعاً إذا لم يتغيّر الأداء المعتمد في لبنان منذ عقود. ترامب أبلغ عون مشاركته في مؤتمر باريس الذي دعا اليه ماكرون لدعم لبنان وتقديم مساعدات عاجلة له، الأمر الذي قابله الرئيس اللبناني بإشارته الى ضرورة «العمل معاً للمحافظة على استقرار لبنان ومحاربة الفساد الحقيقي والفاسدين». وأمل مساعدة الولايات المتحدة في إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية.يجري كل ذلك على وقع معلومات عن تقديم نواب حزب الكتائب الثلاثة سامي ونديم الجميل والياس حنكش استقالاتهم من المجلس النيابي، إضافة الى النائبة بولا يعقوبيان. المصادر تحدثت عن قرار رسمي سيصدر صباح اليوم، مؤكدة أن الاستقالة شبه مؤكدة، ولكنها ستعلن رسمياً اليوم. من جانبه، أعلن النائب ميشال الضاهر مساء أمس «انسحابه من تكتل لبنان القوي ومدّ يده الى النواب المستقلين للتعاون، على أن تليه استقالة من مجلس النواب إذا فشلنا في التغيير»، فيما دعت مجموعات مختلفة الى مسيرات وتظاهرات بدءاً من الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم في ساحة الشهداء، بعضها تحت عنوان «تشييع شعبي لضحايا انفجار بيروت»، والبعض الآخر «للانتقام من النظام الذي يمثله عون ورئيس الحكومة حسان دياب ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله»، وقسم ثالث يحمل شعار «سننتقم» في حين يطالب قسم رابع بما يسمّيه «حلّ الدولتين»، أي «فصل دولة حزب الله عن الدولة اللبنانية».
جنبلاط يهاجم العهد والحكومة وحزب الله بذرائع كثيرة... لكن مشكلته تكمن في التعيينات


ولئن كان المشهد برمته يعيد الى الأذهان انقلاب 2005 السياسي، أبدت أوساط 8 آذار تخوفها من إعادة احياء مشروع 14 آذار لمحاصرة المقاومة. الا أن زيارة ماكرون وطروحاته المتمثلة في تحييد الخلافات وتأليف حكومة وحدة وطنية، طمأنا الى حدّ ما هواجس 8 آذار.
من جهة أخرى، أشار عون، خلال دردشة مع الصحافيين في القصر الجمهوري، إلى أن «الانفجار فك الحصار عن لبنان»، مؤكداً أن «أبواب المحاكم مفتوحة أمام الكبار والصغار». وقال إن «المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ الهدف منها تضييع الحقيقة، ولم يتم التطرق اليه في الاجتماع مع ماكرون». وتحدث عن «احتمالين لما حصل، إما نتيجة إهمال أو تدخل خارجي بواسطة صاروخ أو قنبلة، وقد طلبت شخصياً من الرئيس الفرنسي أن يزودنا بالصور الجوية لتحديد إذا ما كانت هناك طائرات في الأجواء أو صواريخ. وإذا لم تكن هذه الصور متوافرة لدى الفرنسيين، فسنطلبها من دول أخرى». وأوضح عون تلقّيه معلومات عن موجودات العنبر في العشرين من شهر تموز الماضي، فطلب الاتصال بالامين العام لمجلس الدفاع الاعلى والتواصل مع المعنيين بالأمر لإجراء اللازم. أما عن حكومة الوحدة الوطنية التي نصح بها ماكرون، فلم يبدُ عون متحمّساً لها، إذ قال إنها تحتاج الى «تحضير الاجواء المناسبة. لا يمكننا الدعوة الى حكومة وحدة لنصل في ما بعد الى الانقسام الذي شهدناه في الحكومات (السابقة)».