في جدول أعمال مجلس الوزراء بند عفّى عليه الزمن. بالرغم من أن مجلس النواب سبق أن أقر في ٢٨ أيار قانون السرية المصرفية، إلا أنه يبدو أن مجلس الوزراء سها عن هذا القانون، فتعامل معه كما لو أنه لم يكن. البند الرقم ٦ في جدول الأعمال يعود إلى ١٣ آذار ٢٠١٩، أي إلى ما قبل إقرار القانون وما قبل تأليف الحكومة. في ذلك التاريخ طلب رئيس مجلس النواب من الحكومة الاطلاع على اقتراح القانون الرامي إلى رفع السرية المصرفية والمقدّم من النائب جميل السيد، وإبداء الرأي فيه وإفادة مجلس النواب. لكن حالياً، عندما قرّرت الحكومة درس الطلب، لم تدر، أو تغاضت، عن كون اقتراح السيد كان من بين الاقتراحات التي دمجتها اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة (تشمل الاقتراح المقدم من تكتل لبنان القوي والاقتراح المقدم من النائبين بولا يعقوبيان وسامي الجميّل)، لتخلص إلى اقتراح موحّد، أقرته اللجان المشتركة وأحالته إلى مجلس النواب، الذي أقرّه بدوره معدّلاً. التعديل، حينها، أفرغ القانون من الحد الأدنى من أهميته، بعد أن سقط البند المتعلّق برفع السرية المصرفية لصالح القضاء بالضربة القاضية لكتل «الاشتراكي» و«المستقبل» و«أمل» (راجع «الأخبار»).الجديد أن القانون لم يمر في رئاسة الجمهورية، بعدما رفض الرئيس ميشال عون توقيعه بسبب إلغاء حق القضاء في رفع السرية المصرفية، على ما تشير مصادر مطلعة، طالباً من مجلس النواب إعادة النظر فيه.
أمام هذا الواقع، وبعد كل ما سلكه القانون دستورياً، تعود الحكومة إلى المربّع الأول، فتستعرض طلباً من وزارة العدل لإبداء الرأي باقتراح السيد، الذي تحوّل إلى قانون! لم يحدث ذلك خلال عام كامل، لا في الحكومة السابقة ولا في الحكومة الحالية. في الحكومة السابقة لم يطرح الأمر بالرغم من حصولها على استشارة من هيئة الاستشارات والتشريع (١٨ نيسان ٢٠١٩) توضّح فيها أن الاقتراح ينبغي أن يندرج في قانون الإثراء غير المشروع «نظراً لوحدة الموضوع، وللآلية المتكاملة الملحوظة في متن القانون بدلاً من خلق ازدواجية».
لا أحد يعرف سبب إدراج بند يتعلّق باقتراح القانون الذي قدّمه السيد، لكن الأكيد أن الطلب صار من دون موضوع بعد إقرار القانون. ربما كانت الغاية أن لا يضيع الجهد الذي بذلته وزارة العدل هباءً، فهي عملياً أنجزت التقرير قبيل جلسة مجلس النواب بأيام، لكن بدلاً من إنهاء الأمر عند تلك الحدود، عمدت الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى وضع البند على جدول الأعمال بعد شهرين.
في الملف المقدّم، يتبيّن أن مصرف لبنان قد أدلى برأيه، بطلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في 11 تشرين الأول ٢٠١٩، وفيه أن بعض الأحكام الواردة في المشروع تؤدي إلى نشوء حالة من الازدواج أو التناقض مع النصوص القانونية المرعية الإجراء. كما لا يمكن فرض أحكامه على الجهات الأجنبية.
وزارة المالية قدّمت رأيها في ١٨ كانون الأول ٢٠١٩، إذ أبدى الوزير علي حسن خليل حرصه على السرية المصرفية، معتبراً أنها أحد أعمدة النظام المصرفي اللبناني، واقتراح القانون المذكور قد «وسّع كثيراً من مروحة الأشخاص المشمولين برفع السرية المصرفية بحيث يطال جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني»، علماً بأن الاقتراح ينص على رفع السرية عن أي مستفيد من المال العام تلقائياً، أي من يعملون أو يتعاملون أو يستفيدون من القطاع العام.
بنتيجة تلك الآراء، أحالت وزيرة العدل ماري كلود نجم الملف كاملاً على الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مع «الإشارة إلى إقرار الحكومة مشروع قانون معجّل بموضوع رفع السرية المصرفية يغطّي الحيثيات المظللة». تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون الذي أقرته الحكومة وحولته إلى مجلس النواب، لم يناقش من بين الاقتراحات التي درستها اللجان في المجلس النواب، بسبب وصوله متأخراً، لكن الحكومة كانت ممثلة في النقاشات التي جرت.