غرقت بعض الأوساط اللبنانية قبل مجيء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، في متاهة معلومات مغلوطة عن الحركة الفرنسية تجاه لبنان والكلام عن مبادرات ومساهمات كبيرة لإنقاذ الوضع. حتى إن الحركة المالية تأثرت به كما المصارف التي اعتقدت أن هناك فرصة لإعادة ترتيب أوضاعها. رغم أن لو دريان كان واضحاً في حدّته وكلامه المباشر قبل مجيئه الى لبنان وبعده، في أن تحرك فرنسا محصور بحثّ اللبنانيين على مساعدة أنفسهم مع جملة ملاحظات سلبية عن أداء المسؤولين اللبنانيين. إلا أن ثمة من أراد أن يحيّد زيارته وما جرى فيها عن مسار فرنسي بدأ مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أسابيع، وانتهى بهذه الزيارة، التي أشاعت في ختامها تشاؤماً ونظرة سلبية الى الآمال التي كانت معقودة خطأً عليها. فعاد لبنان الرسمي ليواجه، بمفرده، استحقاقات يتحمل هو بنفسه مسؤولية ما وصلت إليه. لم يأت وزير الخارجية الفرنسي حاملاً خطة إنقاذ، بل قام بزيارة استطلاعية ولإبلاغ المسؤولين في لبنان تحذير فرنسا من استمرار المراوغة والفساد والهدر والتخبط العشوائي في إدارة الأزمة. ما خلا ذلك، لا مساعدة فرنسية عملانية سوى إنسانية - اجتماعية تتعلق بالقطاع التربوي، وزيارة مؤسسة عامل تتعلق بروابط قديمة في إطار الصداقة الفرنسية مع المؤسسة والدكتور كامل مهنا.لكن في مقابل «صدمة» المسؤولين اللبنانيين وفشلهم في استثمار الزيارة الفرنسية لمصلحتهم، وسط مطالبتهم بتحمل «الدول الصديقة» مسؤولية إنقاذ لبنان، خرج لو دريان والوفد بانطباعات عن اللقاءات التي عقدها. فما هي، وما هي المخاوف التي عبّر عنها؟ في معلومات كشفتها مصادر فرنسية مطّلعة لـ«الأخبار» أن «الانطباع هو أن من غير المعروف أين هي صناعة القرار في لبنان. فصناعة القرار لا تبدو واضحة، لا موقع ولا مقاربة حقيقية لواقع الأزمة». وتضيف «لا رؤية موحّدة لدى المسؤولين اللبنانيين في ما يريدونه أو في ما يعرضونه. صحيح أن لا خلافات كبيرة بين المسؤولين في ما سمعه الفرنسيون، لكن المقاربات مختلفة تماماً، والأولويات لدى هؤلاء المسؤولين ليست هي نفسها». وتشير المعلومات الى أن الانطباع الحقيقي «هو أن هناك ضياعاً لبنانياً، وأن المسؤولين في لبنان يدورون حول أنفسهم، فيما الأزمة في مكان آخر». الكلام عن الأزمة التي حدد لو دريان معالمها بوضوح في كلامه العلني، يخلص الى نتيجة أخرى: «التحذير الفرنسي ناجم عن خوف باريس من أن تخرج الأزمة الحالية عن السيطرة، فلا يعود في إمكان اللبنانيين أو الدول الصديقة مساعدتهم للجمها. وخروج الأزمة يعني أن التفلت سيصيب كل القطاعات. والأكيد تكراراً أن الخوف من خروج الأمور عن السيطرة غالب لدى الفرنسيين، وهناك خوف من التفلت الأمني ليس لجهة اندلاع حرب، بقدر ما هو تفلت أمني داخلي نتيجة الوضع الاجتماعي والمالي الذي يتفاقم انهياره، ما يؤدي تلقائياً الى توترات أمنية داخلية».
أما النقطة الثانية فهي أن الوزير الفرنسي لم يتعامل مع موضوع الحياد إلا بطريقة دبلوماسية. وخلاصة تلميحاته حول هذا الموضوع أن «لبنان لم يتمكن من تطبيق سياسة النأي بالنفس، رغم أن هذه الصيغة كانت ترضي الدول الإقليمية والدولية، وتحافظ على أوضاع لبنان ولم يكن صعباً الحصول عليها واعتمادها، في مرحلة مختلفة تماماً عن المرحلة الحالية بما تحمل من مخاطر وتحديات. فكيف بالحري في موضوع الحياد الأصعب داخلياً وإقليمياً ودولياً، فيما لبنان يعيش أسوأ أزماته؟ فهناك أمور صغيرة وخلافات أصغر بذلك بكثير ولم تحلّ، فكيف يمكن التعامل مع قضايا كالحياد في هذه المرحلة الحساسة؟».
النقطة الثالثة التي أشار إليها لو دريان هي أن موقف باريس من تغيير مهمة القوات الدولية في الجنوب هو أقرب الى الموقف اللبناني، في الحفاظ على مهمة اليونيفيل ودورها والحفاظ على القرار 1701 كما هو. لكنه نبّه من أن لدى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا مقاربة مختلفة للتجديد، لكنهما لم تقولا رأيهما النهائي بعد منها.