في أكبر عملية صرف تعسفي شهدها لبنان في الفترة الأخيرة، أقدمت الجامعة الأميركية في بيروت على طرد زهاء 850 موظفاً، جلّهم من الممرضين/ات، والإداريين والعاملين في فرق الصيانة، وبعضهم قضى ما يزيد على العشرين عاماً في الخدمة. مع انتشار صور الاستعانة بالقوى الأمنية لتنفيذ هذه «العملية»، هرعت وسائل الإعلام اللبنانية إلى المؤسسة، تستصرح المطرودين تعسفاً. دموع وكلام عاطفي مؤثّران خرجا على الشاشات في تغطية راوحت بين تجهيل الفاعل، وتمرير رسائل سياسية الى الحكومة، وتمييع الحدث وتذويبه في مشاكل لبنان الاقتصادية. lbci التي كانت من أولى القنوات التي حطّت في حرم المستشفى الجامعي وخرجت بشهادات مؤثرة، اعتبرت أن خطوة الجامعة «تعكس حالاً اقتصادية ومعيشية لم يعد بالإمكان معالجتها بالمسكنات»، فيما كان لافتاً في تقريرها، بعد استعراض الحالة النفسية الصعبة التي بدت على وجوه المطرودين تعسفاً، تصويب البوصلة على عملية الصرف. بحسب التقرير، لم تأت هذه العملية من قبل شركة صغيرة، بل من مؤسسة عريقة، تحظى «بميزانية مرتفعة» وبدعم خارجي أيضاً. التقرير الذي أشار الى تواصله مع الإدارة من دون أن يلقى جواباً، قابله تقرير «الجديد» الذي تعمّد إرساء توازن بين المطرودين والإدارة، مع توقّع المحطة ازدياد العدد في الأيام المقبلة. ونقل التقرير عما سماه «مصادر إدارية» ماهيّة التعويضات التي ستوزع على العامل الذي تعدّت خدمته العشر سنوات، بتقديم تعويض سنة واحدة له، فيما ينال الذين قضوا أكثر من عشرين عاماً في العمل تعويض عامين. طبعاً، لم يُدِن التقرير هنا خطوة «الأميركية»، بل سار على نظرية «الرأي والرأي الآخر»، في اعتبار أن المؤسسة تعاني من أزمة اقتصادية، وأنّ الموظفين المطرودين يعتبرون هذا الأمر ذريعة «لتلطيف» القرار التعسفي. أما mtv، فوجدت في خطوة الطرد التعسفي فرصة للهجوم على حكومة حسان دياب. في لغة عاطفية بالغة، استعرضت قناة «المر» عدد المصروفين، ممن «كرسوا حياتهم لإنجاح هذه المؤسسة»، ومن «وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق»، وألصقتها بهجوم على دياب من خلال السخرية من كلامه. إذ أوردت في مقدمة نشرة أخبارها نهار الجمعة الفائت: «المهم ألا يطلع علينا حسان دياب للحديث عن مؤامرة أبطالها موظفو المستشفى والإدارة الأميركية، ويتّهمهم بأنهم أكلوا تعويضه وزعزعوا حكومته».
استغلّت mtv عمليّة الطرد التعسّفي لتكرار هجومها على حكومة حسان دياب


على مقلب otv، بدا المشهد مختلفاً، مع تقديم القناة البرتقالية ملفات سياسية ونقدية أخرى على قرار الجامعة بطرد هؤلاء، وانتظرت الى اليوم الثاني لتغطية الحدث، لكن هذه المرة من بوابة مبادرة صبيّة، كان والدها بين المصروفين، بالعمل على سيارة أجرة لإعالة عائلتها. وصنّف التقرير هذه المبادرة ضمن سياسة «رفض الاستسلام» للواقع المرير، من دون ذكر أو إدانة ما أقدمت عليه الجامعة، في تذويب واضح للحدث ضمن الأزمة الاقتصادية الصعبة ودعوة المسؤولين إلى «إنقاذ ما يمكن إنقاذه»!