ما بعد التفاهم الثلاثي بين الرئيس نبيه بري والوزير السابق جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ليس كما قبله. عملياً، نجح سلامة وفريقه السياسي والمصرفي والإعلامي والإداري في إطاحة خطة التعافي الحكومية. أو أقلّه، في جعل النقاش حولها يعود إلى نقطة الصفر. وهو ما جعل اللجنة المختصة بالشأن المالي تجتمع في السرايا برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب ويحضرها وزراء وحاكم مصرف لبنان ونوابه وجمعية المصارف وعدد من المستشارين، وتعيد النظر في مناقشة كل الخطة الحكومية. هذا الأمر تم التوافق عليه في آخر اجتماع لها أول من أمس، عندما اتُّفق على الشروع في إطلاق ورشة اجتماعات مفتوحة مطلع الأسبوع المقبل، بغية التوصل إلى قرارات، لكي تُصاغ خطة الحكومة بطريقة مختلفة. واتفق الحاضرون، على أن ينجز وزير المالية، في غضون عشرة أيام، مناقشة مكتب الاستشارات القانوني وشركة «لازارد»، في أمر الخطة والتفاوض مع الدائنين، وتقديم التوصيات لأجل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وذلك قبل العودة إلى الحكومة لإقرار برنامج عمل يقوم على خطة جديدة.وتعكس الخلفية التي تدار بها الأمور الآن، ضعفاً وتراجعاً واضحين في موقف الحكومة بدءاً من رئيسها إلى بقية العاملين فيها، وخصوصاً، لناحية التسليم بأن حاكم مصرف لبنان هو من يقرر السياسات النقدية ولا يمكن لأحد التدخل في عمله، وأن برامج العمل الخاصة بالقطاع المصرفي محصورة به دون غيره، وأنه لا إمكانية حتى، لإقرار قوانين تفرض آلية لاستيفاء أي أموال من المصارف لمصلحة الخزينة العامة.
التعديلات الرئيسَة انطلقت من اعتبار الأرقام التي وردت في الخطة الأولى «غير واقعية» ومن أن «الحديث عن توقع عشرة مليارات دولار من صندوق النقد و11 ملياراً من برنامج سيدر و10 مليارات من الأموال المنهوبة، كلها لا تفيد في العلاج». كذلك اعتبار أن احتساب الأكلاف أو الخسائر بالعملة الصعبة تمّ على «أساس سعر الدولار القديم أي 1500 ليرة، وهذا لم يعد واقعياً»، ما يجعل اعتماد السعر الفعلي «يقلّص حجم الخسائر بالدولار الأميركي إلى حدود الثلث».
سرّبت البطريركية أن مقابلة الراعي مع «الفاتيكان نيوز» حصلت قبل لقائه مع عون


التنازل الآخر، يتعلق بمعركة استرداد الفوائد التي دُفعت من خلال الهندسات المالية التي أجراها المصرف المركزي خلال خمس سنوات، إذ يرى الفريق الحكومي أنه «تبين أنه لا يمكن إنجاز هذه الخطوة قانوناً، وأنه من شبه المستحيل القيام بهذه الخطوة التي تتعارض مع القوانين كافة ويمكن أن ترتب على المصارف والمصرف المركزي خسائر كبيرة». وهذا الأمر معروف، ولذلك فإن استعادة فوائد الهندسات المالية تحتاج إلى إقرار قانون في مجلس النواب، وهو ما يرى الفريق الحكومي استحالته. لكن التوجّه الجديد هو نحو «إقرار قانون ضريبي جديد يعمل بمفعول رجعي ويتيح استرداد نحو 15 مليار دولار تُحسم من قيمة الودائع الكبيرة». ويتحدث الفريق الحكومي عن أن «الخطة لن تسامح المصارف إزاء الارتكابات والأخطاء» وأن المصارف «ستخسر حكماً كامل رأسمالها وسوف تكون مضطرة لإعادة رسملة نفسها حتى لو أدى ذلك إلى إعلان بعض المصارف إفلاسها».
لكن القطبة غير المخفية هنا، هي عودة سلامة وجمعية المصارف إلى نغمة «دعم القطاع المصرفي باعتباره درّة التاج في الاقتصاد»، وأن ذلك «يتم من خلال تولي مصرف لبنان عملية إعادة الهيكلة بما في ذلك عمليات الدمج». لكن «الأهم هو توفير التمويل المطلوب على شكل قروض يقدمها مصرف لبنان إلى هذه المصارف على أن تسددها خلال فترة زمنية قصيرة». كذلك «يتعهد المصرف المركزي بضمان استعادة هذه القروض، مع عدم ترك القطاع مفتوحاً بالطريقة التي كان يدار فيها، وإضافة إلى أن مصرف لبنان سيفرض على المصارف عدم أخذ فوائد على توظيفات المصارف الموجودة لديه لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وهذه العملية تعفي المصرف من دفع نحو عشرة مليارات دولار كفوائد».
لكن المشكلة تعود إلى النقطة المركزية، حول ما تسميه المصارف «مسؤولية الدولة في سداد الديون، وأن الأمر يتعلق بأصول الدولة». وبينما لمس مصرف لبنان والمصارف أن الحكومة ليست في وارد بيع الأصول، انتقل هذا الفريق إلى الخطة البديلة والتي تقول: «بأن يجري تكليف شركات من القطاع الخاص إدارة مرافق الدولة المنتجة لمدة 15 سنة، على أن يتم استخدام العائدات لأجل سداد ديون الدولة لمصرف لبنان كي يسددها بدوره إلى المصارف التي ستتمكن حينذاك من دفع أموال المودعين، وأن تحصل هذه الشركات على عائد إدارة من دون أن تملك أي حصة في الشركات التابعة للدولة».

هل تخطط وزارة الطاقة لرفع الدعم عن المازوت وفرض الأمر الواقع بتركها الشركات لتتحكّم بالسوق؟


وفيما من المفترض عقد اجتماع قريب للجنة تبحث فيه ملف الخصخصة، نُقل عن الرئيس دياب قوله إنه «لن تتم خصخصة أي قطاع منتج في الدولة، والبحث سيكون مفصلاً حول أي مقترح بهذا الخصوص».
لماذا تماطل وزارة الطاقة في حل أزمة المازوت؟
من جهة ثانية، ليس مفهوماً بعد الأسباب التي تحول دون توفّر مادة المازوت في البلاد، مع المعلومات الأكيدة عن قيام الشركات بتخزين المادة وحجبها عن المحطات والمواطنين. وبحسب ما علمت «الأخبار» فإن الشركات تستمر في تخزين المادة، وبيعها فقط في السوق السوداء وبأسعارٍ عالية، من دون الاهتمام بأي رقابة حكومية، وتحديداً من وزارة الطاقة. وجرى في الأسابيع الأخيرة التركيز على التهريب نحو سوريا، فيما لم يتمّ القيام بأية إجراءات حقيقية لمعرفة مخزون الشركات، لإزاحة الصورة عن الأزمة الحقيقية في لعبة الاحتكار وتحقيق الأرباح الهائلة، إذ أن الشركات المستوردة، والتي تحتكر المادة اليوم، سبق لها أن اشترت مادة المازوت حين كانت أسعار النفط متدنية، واليوم تعوّل على ارتفاع أسعارها في المستقبل لمضاعفة أرباحها والتعويض عن تراجع الأرباح الذي سبّبه انهيار سعر الصرف، في استغلال واضح للمواطنين.
وتكبر الأسئلة حول دور وزارة الطاقة في ضبط السوق وإجبار الشركات على بيع مخزونها وتعويض النقص الحاصل وعمليات إذلال المستهلكين أمام محطات الوقود، والتقنين العالي لدى أصحاب مولدات الكهرباء الذين يجدون بدورهم صعوبة في الحصول على المازوت بالسعر الرسمي. وثمة خشية من دور خفي لوزارة الطاقة، في استمرار الأزمة وارتفاع سعر المازوت بهدف تثبيت السعر العالي ورفع الدعم عن المازوت بطريقة مقنّعة، قبل إقراره رسمياً، بذريعة مكافحة التهريب والتخزين.

الراعي والحياد: حكاية إبريق الزيت
بدوره، زاد البطريرك بشارة الراعي على عناوين الانقسام في البلد عنواناً جديداً هو «الحياد»، من دون أن يشرح كيف يمكن للبنان أن يكون محايداً والعدو الإسرائيلي يبذل كلّ جهده لتهديده كل يوم. ويظهر طرح الراعي وكأن مشكلة اللبنانيين ولبنان في موقعه خصماً وندّاً للعدو الإسرائيلي، وليس أن نظام المحاصصة الفاشل الذي أدار البلاد منذ حوالى مئة عام، فشل في إنتاج أي سلطة وطنية حقيقية، ووصل به الأمر إلى حالة انهيار كاملة وفقدان المودعين اللبنانيين أموالهم في المصارف التي راكم أصحابها الثروات. فكيف يمكن لدولة هشّة وضعيفة، أن تمارس الحياد وهي مستهدفة وفاقدة للسيادة ولا تملك قرارها؟ بل كيف يمكن لدولة لا تستطيع محاسبة مسؤولٍ واحد فيها إلّا ويحتمي خلف طائفته؟ وللراعي مآثر في هذا الخصوص، ولا سيّما تحويله أي محاسبة لسلامة، مسّاً بالموارنة وبلبنان في أصل وجوده؟
قبل يومين، بدا لقاء الراعي مع الرئيس ميشال عون، عنواناً لمحطّة جديدة، اتفق فيها الطرفان على تخفيف الاحتقان لا زيادته. إلّا أن تصريحات الراعي التي نشرتها «الفاتيكان نيوز»، ظهرت تصعيداً غير مبرّر ضد حزب الله، وانقلاباً على التفاهم مع عون، قبل أن تعود البطريركية وتسرّب أن المقابلة جرت قبل لقاء بعبدا.