تسوّق وزارة الطاقة والمياه، منذ سنوات، لمشروع سدّ بلعا، على أنه «يوفر مياه الشفة بالضخّ والجاذبية للمناطق الواقعة في أعالي قضاء البترون وصولاً حتى الوسط»، وأن «حجم التخزين الثابت فيه حوالى 1.2 مليون م3، والمتحرك حوالى 2.1 مليون م3 سنوياً». غير أنّ سعة بحيرة سدّ بلعا، وفق المستندات الرسمية، تُراوح بين 1.2 و1.3 مليون متر مكعب.لكن الأهم أن هذا المشروع يشكّل فضيحة كبرى، بسبب إصرار الإدارة الرسمية على مواجهة الطبيعة، بعدما ظهرت بواليع عميقة (بواليع بلعا) تخرق أرضية موقع بحيرة السد، تتسرّب المياه عبرها. ولتغطية سوء التخطيط، عمد المهندسون إلى إضافة طبقات من الصخور والإسمنت إلى أرضيّة السدّ لتسكير منافذ البواليع والفراغات، تعدّت سماكتها وحجمها أضعاف سعة بحيرة السد، ما قلّص سعته المعلن عنها من قبل الوزارة. هذه المعالجة العقيمة تجري أشغالها من دون أيّ اكتراث أو حسبان لنتائجها، إذ إنّ ضغط المياه المخزّنة - مستقبلاً - على أرض غير ثابتة، سيحدث تشقّقات متوقّعة، تتسرّب المياه من خلالها إلى الفراغات الضخمة وجوف الأرض.
القضيّة تتعدّى، إذاً، مسألة صخور كارستيّة مشقّقة، بل فجوات وبواليع عميقة جداً لا يُعرف مدى عمقها وقعرها. وعدم تراجع الوزارة عن المشروع، وإصرارها على تنفيذه، من دون مساءلتها أو محاسبة المهندسين والمتعهّدين المسؤولين عنه، يعنيان الاستمرار في «الترقيع» الذي يستحيل أن يُصحح الأخطاء، بل جلّ ما ينتج منه هو هدر المال العام.
إلى التعدّي على البيئة والأضرار اللاحقة بالطبيعة بسبب أعمال السد وشقّ الطرقات لاستخراج الصخور (من تنورين والعاقورة وشاتين وبشتودار وسواها) لعمليّات «الترقيع»... فإنه من المستحيل أن يعطي مشروع السدّ النتائج المرجوّة منه خلال الفترة المخطّط لها. ومهما تقدّمت الأعمال فيه، حالياً، فإنه لن يجمع المياه المطلوبة لمدة 50 سنة بشكل دائم وكامل، بل إن العزل لن يبقى على حاله والتشقّقات ستظهر سريعاً، ولن يستطيع تجميع المياه لأكثر من 3 سنوات كأقصى تقدير.
يُجمع الخبراء على عدم إنشاء سدود على سطح صخور كربوناتية كارستية. وهذا ما ينطبق على موقع سدّ بلعا، الذي يبعد نحو 250 متراً عن بالوع بلعا السياحي - الأثري الضخم. وقد تبيّن أن الفراغات العموديّة الضخمة المذكورة، ناتجة عن تسرب المياه إلى العمق الصخري خلال 60 مليون سنة من عمر صخر الجوراسيك الأعلى. هذه البواليع هي مسارب حقيقيّة نحو المنطقة المشبعة للمخزن الكارستي، وقدّر قعرها النهائي في آبار تنورين وبشتودار القريبة من الموقع على أعماق نحو 500 متر. وبالرغم من تفرّعاتها في العمق الصخري، أصرّ المتعهّد بعد إزالة الأتربة وكشف الفراغات، على إقفال الموقع ومنع زيارته. ولم يكلّف نفسه استشارة اختصاصيّين وجيولوجيّين، بل طُلب رأي شركة «أرتيليا» الاستشارية المتخصّصة بهندسة السدود.
لو كان المشرفون على مشروع سد بلعا شفّافين، لكانوا أوقفوا الأعمال فيه، إذ لا يُعقل أن تصل الكلفة التقديريّة لمشروع، يعدّ صغير الحجم، إلى نحو 90 مليون دولار! فيما كانت كلفته في البداية نحو 26 مليون دولار، وهي كلفة مبالغ بها في الأساس.
كل ذلك وموقع السد، موجود ضمن منطقة يحتوي جوفها على مخازن غنيّة بالمياه النقية، وفق دراسة لبرنامج الأمم المتحدّة الإنمائي وأخرى لشركة «الأرض» واختصاصيين آخرين لمصلحة وزارة الطاقة. وفي حين نُشرت آخر دراسة عام 2015 وأعلنت عنها وزارة الطاقة نفسها، فإنّها لم تأخذ بنتائجها لأنها لم تتناسب وخططها «الفاشلة وغير العلميّة». وهكذا، تتغاضى الوزارة عن موقع السدّ وتكوينه، الذي يشكّل تغذية طبيعيّة للمخزون الجوفي، مُحوّلةً إيّاه إلى تخزينٍ مكشوف للمياه السطحيّة!

* اختصاصي تدقيق جودة