هل تتسبّب الأزمة الاقتصادية في لبنان وما تقول إسرائيل إنها «معضلة» حزب الله و«ضائقته»، بفتح أبواب الحسابات الخاطئة وشهيّة إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك في لبنان؟ السؤال أكثر من مشروع في ظل تهديدات إسرائيلية متراكمة منذ أسابيع، مصحوبة بإعلان مفرط عن تدريبات ومناورات تحاكي مواجهات مع لبنان، قيل إن بعضها هو الأضخم في تاريخ الكيان الإسرائيلي.يتعلق السؤال بفرضية متطرفة، سعت إسرائيل إلى تجنبها منذ 14 عاماً وهي الحرب أو الأعمال العسكرية المصنّفة ما دون الحرب. تطرف الفرضيات لا يلغي معقوليتها النسبية، في ظل أزمة لبنانية تشكل من ناحية تل أبيب ــــ إلى جانب كونها خياراً بديلاً من الحرب في مواجهة حزب الله ــــ فرصة قد تحاول استغلالها بشكل أو بآخر، لاعتقادها أن الأزمة الاقتصادية قد تمنع حزب الله هذه المرة من الرد ومنع تغيير قواعد الاشتباك، علماً بأنها في ذاتها مجازفة، وفيها مصداق فعلي لمعنى الحسابات الخاطئة بين الجانبين.
قبل أيام، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ مناورة لجبهته الداخلية، حاكى فيها مواجهة تداعيات تساقط صواريخ دقيقة على تل أبيب من عدة جبهات، وتحديداً من الساحة اللبنانية. المناورة التي وصفت بالأكبر والأشمل في تاريخ الكيان، تعاملت مع تداعيات غير مسبوقة، تشمل خسائر كبيرة في الأرواح، ودماراً هائلاً في البنية التحتية والدور السكنية.
وأهمية المناورة ليست محصورة في ذاتها وفي أنها تضيف للجيش الإسرائيلي مستوى أعلى من الاستعداد العملي ــــ المعرفي لمعالجة نتائج قاسية في أعقاب تساقط صواريخ دقيقة ومدمرة وبعيدة المدى من لبنان، وربما من غيره من الساحات، بل تتعدّى ذلك إلى أنها تأتي في موازاة سلسلة تدريبات ومناورات قتالية مكثفة، تأمل تل أبيب أن تولد لدى حزب الله إدراكاً مؤثراً في قراره، بأن الجهوزية الإسرائيلية للحرب باتت «هذه المرة» غير مسبوقة، لمواجهة فرضيات قتال بأشكال ومستويات مختلفة.
وإلى جانب هدف الترهيب عبر الإعلان عن المناورات والتدريبات، وكذلك ما يرد من تهديد مباشر وغير مباشر من تل أبيب على لسان قادة العدو وإعلامه، الواضح أن إسرائيل معنية باستكمال جهوزيتها العسكرية وغير العسكرية للمواجهة الواسعة أو المحدودة، إن نشبت في مرحلة يرى العدو أن لا يقين فيها، وربما تشهد انزلاقاً ما نحو القتال.
تغيير قواعد الاشتباك يمنح إسرائيل نتيجة الانتصار في حرب يتعذّر عليها الانتصار فيها


في الخلفية، ترى تل أبيب أن الأزمة الاقتصادية في لبنان فرصة تسمح لها بفرض إرادتها السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنية، إذا قرّر صانع القرار الإسرائيلي استغلالها وقبِل المجازفة فيها. وترتكز هذه الفرصة على مقدمات جزءٌ منها صحيح، وهي الأزمة الاقتصادية في لبنان، وجزء آخر مبني على الحساب الخاطئ ربطاً بتقدير تأثير هذه الأزمة على حزب الله ودفعه إلى كبح نفسه للامتناع عن الرد الرادع إن نفذت إسرائيل اعتداءات في لبنان.
في الموازاة، لا تحصر تل أبيب تقديرها للتهديدات الحالية في الخشية من أن يستغل حزب الله الأزمة، كما تقول، لتعظيم إضافي نوعي لقدرته العسكرية، وتحديداً الصواريخ الدقيقة، التي تُعدّ التهديد الاستراتيجي الأول في مواجهة إسرائيل بعد التهديد الوجودي النووي الإيراني. تخشى إسرائيل أيضاً ما تقول إنها حسابات خاطئة قد يتركز عليها قرار حزب الله في مواجهة تل أبيب، مدفوعاً بالأزمة الاقتصادية نفسها التي تعدّ سلاحاً في وجهه ووجه اللبنانيين.
إذاً، المرحلة حساسة جداً لدى الجانبين، وكل جانب سيعمد إلى استغلال أقصى للفرص، في موازاة التشديد على تدابير وإجراءات أقصى لردع التهديدات المقابلة ومنع تفعيلها أو تقليصها.
للمفارقة، الأسئلة لدى الجانبين هي ــــ على الأرجح ــــ متماثلة في هذه المرحلة: هل تُقْدِم إسرائيل على استغلال الأزمة المتفاقمة في لبنان لتغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة والتأسيس لمرحلة جديدة ستكون مشبعة بالاعتداءات وفرض الإرادة السياسية والاقتصادية على لبنان؟ في المقابل، يأتي السؤال مستَنسَخاً: هل يُقْدِم حزب الله مدفوعاً ــــ أو محفَّزاً ــــ بتداعيات الأزمة الاقتصادية والنقدية على تغيير أيضاً في قواعد الاشتباك بتعظيم لاتناسبية الرد على اعتداءات إسرائيل بأشكالها ومستوياتها المختلفة، وصولاً إلى مبادرته هو للتسبب بأيام قتالية ومستوى ما من المواجهة العسكرية؟
في ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:
لا تُغيِّر ولا تقلِّص ولا تُنهي، الأزمة الداخلية وتأثيراتها الثقيلة على لبنان واللبنانيين بما يشمل حزب الله، من قدرة سلاح المقاومة على الإضرار بإسرائيل، إذا تقرَّر تفعيل هذا السلاح. بل في فرضيات معقولة، ستكون الإصبع «رخوة» جداً على الزناد، في اليوم الذي تفعّل فيه إسرائيل تهديداتها.
كذلك، الواضح أن الجانبين غير معنيَّين بنشوب حرب أو جولة قتالية واسعة النطاق، بل حتى محدودة بأيام قتالية ثقيلة. فكل طرف يوازن جدوى وكلفة القتال وبستخلص بالنتيجة ضرورة الارتداع عما يتسبب بالمواجهة. وهي نتيجة لم تتغير ومشهود عليها طوال 14 عاماً من الهدوء واللاقتال بين الجانبين، رغم تعاظم التهديدات وتكاثرها، وكذلك تعاظم الدوافع والحوافز لدى الجانبين للمبادرة، وإن بنسب مختلفة.
بصورة كلية، الخطورة الوحيدة هي أن تتسبّب الأزمة في لبنان بحسابات خاطئة لدى أحد الطرفين أو كليهما. من ناحية إسرائيل، قد تقدّر أن حزب الله سينكفئ نتيجة الأزمة عن الرد إذا قررت محاولة تغيير قواعد الاشتباك في الساحة اللبنانية واستنساخ ما يجري في الساحة السورية، علماً بأن حزب الله يدرك، ويشدد على إدراكه كما يرد على لسان قادته، أن المخاطرة بنشوب حرب تبقى أقل ضرراً من التغاضي عن المسّ بقواعد الاشتباك وتغييرها. ففي المحصلة، تغيير هذه القواعد يمنح إسرائيل نتيجة الانتصار في حرب يتعذّر عليها الانتصار فيها، مقابل خسائر لبنانية تفوق خسائر أيّ حرب، مهما كانت نتائجها قاسية ومدمرة.