فرنسا باتت تقف وراء صندوق النقد الدولي المعروف أن الكلمة الأولى فيه للولايات المتحدة
لكن ثمة تطورات سلبية برزت في الأشهر الماضية قبل استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وبعدها، في ظل تداعيات الوضع اللبناني، نتيجة الأزمات الداخلية المتفاقمة، ليصبح الموقف الفرنسي وحيداً بين دول أوروبية باتت تتبرّم من المسألة اللبنانية، ومن أداء الحكم فيه، كألمانيا وبريطانيا اللتين اتخذتا مواقف واضحة منه من خلال اقترابهما أكثر من النظرة الأميركية إليه. ففرنسا كانت قد حاولت تمييز موقفها عن موقف واشنطن الذي تدرج في الأشهر الأخيرة لناحية العقوبات المفروضة على حزب الله وتشددها في تعاملها مع العهد وتضييقها في الملف المالي، وظلت تحاول إبقاء الاهتمام الدولي بلبنان فاعلاً. ومن أجل ذلك، دفعت أولاً بمؤتمر سيدر وما كان يفترض تحقيقه من وجهة نظرها في تفعيل الحياة الاقتصادية وتنشيط الوضع الداخلي وفق تحسينات وتشريعات قانونية كان يفترض إقرارها. كما عملت على تشجيع السعودية للعودة الى لبنان، رغم الضغط الأميركي، وعدم التخلي عنه من خلال خطوات مدروسة ولجان تنسيق وموفدين أتوا الى بيروت لتفعيل أطر التعاون، للمساهمة في تأمين الاستقرار. ورغم التجاوب السعودي مع بعض الخطوات، إلا أن فرنسا لاحظت تلكؤاً لبنانياً واضحاً، سواء من قبل العهد أو الحكومة، السابقة والحالية، إن في تطبيق ما كان يجب فعله بالنسبة الى سيدر، أو التجاوب السريع مع الإحاطة الفرنسية بالسعودية. وانتظرت باريس من دون جدوى أن يبادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو الحكومة الى القيام بأي خطوات يفهم منها ملاقاة فرنسا في مبادراتها. ورغم ما جرى في الأمم المتحدة سابقاً حين أدخل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة السابق، ماكرون في خضم مشكلات داخلية، استمر الأخير في توجيه رسائل واضحة مرات عدة الى لبنان. لكن بعد مرور نحو 18 شهراً، لا يزال التجاوب اللبناني معدوماً، ما دفع باريس تالياً الى تجميد مبادراتها والاكتفاء بالدور الذي يؤديه سفيرها في لبنان بمواكبة ما يجري، أي الدور الدبلوماسي المعتاد، من دون رفع مستوى التدخل الرسمي. عدا ذلك، فإن فرنسا باتت تقف وراء صندوق النقد الدولي المعروف أن الكلمة الأولى ستكون فيه للولايات المتحدة ولدول أخرى بات لديها ملاحظات أيضاً على الوضع اللبناني وأداء السلطة السياسية. إضافة الى أن التعامل مع صندوق النقد لديه أيضاً آليات وشروط، بدأ يتضح أن لا إجماع لبنانياً على الالتزام بها. ووفق الأجواء التي نقلت، فإن ماكرون بات شبه وحيد في سعيه الى «محاولة إنقاذ لبنان»، مع إشارته وفريقه الدبلوماسي الى أن مخاوفهما ترتفع من احتمالات تدهور الوضع فيه نتيجة الأزمة المعيشية، وهذا يؤدي تلقائياً في حال تفاقم مستوى الفقر والجوع الى هزّ الوضع الأمني الذي قد يبلغ مرحلة خطرة، إن لم تتنبّه له الأجهزة الأمنية.
خطورة هذا التقويم، أن هناك أوساطاً في لبنان تحاول دوماً أن توحي بأن باريس لن تتخلى عن لبنان، كما أن شخصيات لبنانية على صلات شخصية بزملاء دبلوماسيين أو عاملين في الإدارة الفرنسية، يسعون الى عكس أجواء تشجيعية لجهة أن باريس تحيط بالوضع اللبناني. من دون التنبه الى أن الفرنسيين يطّلعون تماماً على كل مجريات الوضع اللبناني، ويعرفون كل التفاصيل على مستوى الفساد والانهيار المالي والاقتصادي، وأنهم لم يصلوا، وهم أصحاب مبادرات كثيرة في بيروت، الى هذا المستوى من اليأس وفقدان القدرة على القيام بأي شيء طالما أن لبنان الذي يتعرض لأزمة غير مسبوقة، لا يقدم على أي خطوات ملموسة لإنقاذ نفسه. وهذا مثار استغرابهم رغم كل ما يصلهم من معلومات عن حجم الانهيار الداخلي على كل المستويات الاجتماعية والمالية والاقتصادية.