رُغم الخيوط التي تكشّفت تباعاً عن عمليات تهريب الدولارات والتجارة في السوق السوداء وتوقيف عدد من الصرافين، استمر سعر الصرف الأسبوع الماضي في التحليق.مشهد البلاد في الأيام الماضية أعطى مؤشراً لطلائع «انفجار» شعبي ــــ أمني نتيجة لأسباب كثيرة، منها عدم تعامُل الدولة وأجهزتها جدياً مع المتورطين في ملف التلاعب بسعر الصرف. فلم يلمس أحد شعرة من مصرف لبنان الذي أثبتت اعترافات الموقوفين أنه كان شريكاً في عملية المُضاربة، ولا المصارف التي تعمّدت تجفيف الدولار من السوق ولا حتى الصرافين أنفسهم، وتأكّد أن لدى هؤلاء جدراناً سياسية وإعلامية صلبة تحميهم من أيدي القضاء الذي يفتح الملفات، ثم يطويها متذرّعاً بالضغط.
أمام هذا الواقع، خطا حزب الله خطوة إلى الأمام، موجّهاً أصابع الاتهام بالأسماء إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومصرف «سوسيتيه جنرال». فقد كشف النائب حسن فضل الله معطيات جديدة في ملف التلاعب بالدولار، نقلاً عن تحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية. ومع أن عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» كان يؤخذ عليه قوله «بأن على القضاء أن يحدد المتورطين ويحاسبهم وليس حزب الله»، فضح المشتبه فيهم بالأسماء، إلا أن كلامه قوبل بصمت من القضاء والمصارف وبتعتيم من وسائل الإعلام التي تتعمّد طمس كل المعلومات التي تدين القطاع المصرفي وأصحاب المصارف. وقد اعتمد هذا الإعلام في الآونة الأخيرة التستّر على المشتبه فيهم، من خلال حملة تزوير للحقائق تُوظَّف في خدمة دعاية أن سبب الأزمة هو تهريب الدولار إلى سوريا.
فضل الله: الأميركيون طلبوا من سلامة وشركات الشحن عدم إدخال الدولار إلى لبنان


ففي مقابلة مع قناة «المنار» يوم الجمعة الماضي، تحدّث فضل الله عن الحصار الأميركي الذي يمنع دخول الدولار إلى السوق اللبنانية، وهو حصار لا يؤثر على حزب الله بل على الناس. ثم أشار إلى الخطأ البنيوي الذي ارتكبه مصرف لبنان بتحويل العملة الصعبة إلى سلعة تجارية خاضعة للعرض والطلب. وقال إن «الأميركيين هم من طلبوا من حاكم مصرف لبنان ومن شركات الشحن عدم إدخال دولارات إلى السوق اللبنانية»، قبل أن يكشف بأن «معلوماتنا أنه من آب ٢٠١٩ هناك من يعمل على سحب الدولارات بكميات ضخمة من السوق وإرسالها إلى خارج الأراضي اللبنانية». وأشار إلى أن «اعترافات الموقوفين لدى القضاء أكدت أنه من آب ٢٠١٩ إلى أيار ٢٠٢٠ حصل الجمع والتهريب، وكانوا يأخذون من البنك المركزي كميات من الليرات اللبنانية، وتجميع هذه الأموال كان يصبّ في مصرف ​سوسيتيه جنرال (لصاحبه أنطون الصحناوي)، إلى أن استُدعي المدير في المصرف كريم خوري إلى التحقيق»، كما «اعترفوا بأنهم كانوا يأخذون أكياساً من الليرات واشتروا عشرات ملايين الدولارات، وجميعم أجمعوا على أنهم اشتروا الدولارات لمصلحة هذا المصرف». وأضاف إن «الأموال اللبنانية كانت تخرج من ​المصرف المركزي إلى مصارف عدة، منها مصرف سوسيتيه جنرال ومصارف أخرى. المصرف يعطي ​المال اللبناني لشبكة من الصرافين، ما أدى إلى تراكم الشح بالدولار، وفي 20 أيار استدعي المشتبه فيهم، وفي 21 أيار أفرج عنهم».
وسبَق أن نشرت «الأخبار» معطيات بهذا الشأن، يوم 21 أيار 2020، إلا أن القضاء، ممثلاً بالنيابة العامة المالية، قرر إقفال الملف، بأقل أضرار ممكنة لمصرف لبنان ومصرف «سوسيتيه جنرال» كما للصرافين المشتبه فيهم، في خضوع تام للضغوط التي تمنع محاسبة المتورطين في أخطر قضية تدمّر الاقتصاد الوطني.