منذ عام 2005 يستورد لبنان الفيول أويل عبر شركة «سوناطراك الجزائرية». حيكت أخبار كثيرة حول هذا العقد، بين من وجد فيه فرصة لتوفير كلفة الطاقة في لبنان، ومن تعامل معه على أنه مناسب لمنظومة الفساد. إلا أن أحداً لم يجرؤ على فتح هذا الملف. وحتى عندما أشهرت الدولة إفلاسها، وبعد الكلام عن عمليات غشّ، فُتح الملف لبضع ساعات ثم أُغلق. على هذه الخلفية، أثير الكثير عن آليات عمل المنظومة، سواء لجهة العقد والتعديلات التي طرأت عليه مرتين وتجديده باستمرار من دون البحث عن بديل، أو عن المنتفعين منه وطرق عملهم والتغطية السياسية التي حصلوا عليها فضلاً عن الغطاء القانوني… كلها أسئلة ظلت بلا أجوبة. وتُرك الأمر للتداول الشعبوي وإطلاق الاتهامات كيفما كان في ملف يحتمل الكثير من التعقيدات التقنية الخاصة بتجارة المشتقّات النفطية. وما أثار مزيداً من اللغط أن القضاء نفسه لم يتمكن من رسم خريطة واضحة لآلية عمل العقد وأطرافه والمتورّطين معهم والمبرّئين منهم، ولم يستطع أيضاً تأكيد حصول الغشّ في استيراد الفيول وأسبابه، ولم يضمن عدم تكراره كذلك… ببساطة لم يؤسّس لمرحلة شفّافة تتيح تكوين مسار وصدقية في مكافحة الفساد، كما تشتّت الموضوع بين صلاحيات قضائية عدة.
المطلعون يعتقدون بأن أصل المشكلة يكمن في مضمون العقد نفسه. ليس في هذا الأمر اتهام لأحد أو دليل على تواطؤ. لكن الهدف الأساسي من توقيع العقد (من دولة لدولة) أنه لا توجد أطراف وسيطة، وأن مورّد السلعة (الفيول أويل) قادر على توريدها بسعر أرخص من سعر السوق، ويضمن استمرار تزويد لبنان بها. ثمّة واحد من بين هذه العوامل غير متحقّق: بأي كلفة استمر توريد الفيول أويل إلى لبنان؟ هل حقّاً كانت الجزائر هي بلد المنشأ لهذا الفيول أم كانت تشتريه من السوق لتبيعنا إياه؟ وهل يرتّب هذا الأمر مساراً مثيراً للشبهات أم أنه أمر عادي وطبيعي في تجارة المشتقات النفطية؟ وما هي الضمانات بأن الفيول أويل كان دائماً مطابقاً للمواصفات؟
لكن ما ميّز اللغط الأخير هو امتناع غالبية المعنيين مباشرة بالملف عن التعليق المباشر حول ما يجري وحول موقفهم وموقعهم منه. وبما أن الشركات العاملة في هذا الحقل، والتي يتولى آل البساتنة مسؤولية بعضها، كانت حاضرة في الملف بصورة عملية وحتى في بعض الإجراءات القضائية الهامشية، سألت «الأخبار» طارق حافظ، مدير العمليات في شركة BB Energy المملوكة من آل البساتنة، والتي تتخذ من اليونان مقراً رئيسياً لأعمالها، عن موقف الشركة وموقعها من الملف. وكان الحوار الآتي:

في البيان الذي وُزع عبر وسائل الإعلام، ما يعطي الانطباع باعترافكم بلعب دور الوسيط في استيراد «الفيول أويل» بين الدولة اللبنانية وشركة «سوناطراك» في الجزائر. إلا أنكم أوضحتم أن الشحنة التي يثار حولها اللغط ليست من استيرادكم. وكانت وزيرة الطاقة السابقة قد صرّحت عبر «تويتر» بأن هناك شركات لبنانية تقوم بهذا الدور الوسيط، فضلاً عن أن القضاء استمع إلى إفادتكم بهذا الخصوص وأبلغتموه أن من كان يقوم بدور الوسيط في الفترة الأخيرة هو شركة «زد آر اينيرجي».
للتوضيح، إن شركتنا لا تتعاطى السمسرة أو الوساطة، بل هي شركة تجارية تشتري وتبيع النفط الخام وكلّ منتجاته على اختلاف أنواعها في الأسواق العالمية عبر مكاتبها الموجودة في معظم دول العالم منذ أكثر من خمسين عاماً. كما أن علاقة شركتنا مع «سوناطراك» تعود إلى سنة 1979 في أماكن متعددة وبكل المنتجات البترولية بيعاً وشراء. والعقد مع شركة «سوناطراك» يخوّلها شراء الفيول من أي جهة تراها مناسبة، وهي قامت بشرائه من عدة شركات عالمية، من ضمنها شركتنا التي تعمل في حقل تجارة المواد البترولية منذ خمسين عاماً على الأقل، ولها أعمالها في عدد كبير من الدول. كما جرى الاستماع إلى السيد بشير بساتنة بصفته شاهداً، وهو لم يذكر على الإطلاق أي أمر عن وساطة «زد آر اينيرجي».

متى تخليتم عنه، ولماذا؟
شركتنا لا علاقة لها بالعقد لتتخلى عنه، بل إن شركة سوناطراك لديها الحرية المطلقة لشراء المواد من أية جهة أو شركة تختارها.

لماذا لجأت «سوناطراك» إلى شركة استيراد وسيطة علماً بأنها لا تنتج الفيول أويل؟
كما أوضحنا سابقاً، فإن «سوناطراك»، كونها لا تنتج الفيول بالمواصفات المطلوبة، لديها الحرية التامة لشراء المواد من أية شركة تجارية أخرى، واستعمال مصطلح شركة وسيطة في غير محله، علماً بأن الفيول أويل يأتي إلى لبنان من كلّ المصافي العالمية التي تنتج الكميات المطلوبة وفق المواصفات المطلوبة.

ما هو دور الوساطة بالتحديد؟ كيف يتم تقاسم الأكلاف والأرباح بين الشركة الوسيطة والشركة التي وقّعت العقد؟
مرة أخرى لا توجد وساطة في هذا الموضوع. هذه عملية تجارية بحتة، ويجري الاتفاق بين البائع والشاري على الأسعار. ولا وجود لتقاسم الأرباح أو الأكلاف.

هل تعتقدون أن عقد «سوناطراك» مُجحف أم عادل بحق الطرفين انطلاقاً من معرفتكم بهذه التجارة التي يدخل فيها الكثير من العناصر مثل آليات التسعير ووقت وصول الباخرة، وطرق الفحص والتسلّم وسواها؟
كما أوضح وزير الطاقة الأسبق محمد فنيش، فإن العقد كان الخيار الأفضل للوزارة في حينه. ومن المفترض أن التجديد المستمر للعقد من قبل مجلس الوزراء، كان يؤكد أن الحكومة تراه الأفضل لمصلحتها.

هل تعتقدون أن مواصفات الفيول أويل ملائمة للبنان لجهة تشغيل معامل الكهرباء ولجهة القياس البيئي؟
المواصفات المحدّدة من قبل الوزارة كانت تراعي الإمكانات المادية لمؤسسة كهرباء لبنان ومتطلبات المعدّات الفنية. كما أن المواصفات كانت تراعي الناحية البيئية لجهة كمية الكبريت المستعملة في معظم دول أوروبا.