ومن الأسباب الموجبة التي يذكرها اقتراح القانون أن الانتداب أدّى في غالب الأحيان إلى نقص في ملاكات القضاء الإداري والمالي والعدلي وإلى عدم انتظام عمل المرفق القضائي. كما أن انتداب القضاة إلى مراكز إدارية مثل المحافظين والمدراء العامين يؤدي تبعاً لطبيعة العمل إلى إبعادهم عن الروحية التي يجب على القاضي التمتع بها، ومنها عدم المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل يفقده استقلاليته وتحفظه. وبانتهاء الانتداب، يعود القضاة المنتدبون حكماً إلى ملاكات القضاء، ما يؤدي إلى إفقادهم جزءاً من مهاراتهم بفعل انقطاعهم الطويل عن ممارسة عملهم كقضاة. لذلك، فإن استقرار العمل الإداري من جهة وعمل السلطة القضائية من جهة ثانية يحتمان إصدار قانون يمنع كل أشكال انتداب القضاة إلى الإدارات العامة.
أيّ تعيين جديد من خارج الملاك الإداري انتهاك للقانون وتجاوز للسلطات الممنوحة للحكومة
وسبق لرابطة موظفي الإدارة العامة أن نبّهت، في كتاب رفعته إلى رئيس الحكومة حسان دياب، إلى أنّ المادة 12 من المرسوم الاشتراعي 112/59 (نظام الموظفين) حدّدت إمكانية الحكومة في التعيين استثنائياً من خارج الملاك بنسبة الثلث، وبما أنّ عدد الوظائف الملحوظة في الفئة الأولى في ملاك الإدارة العامة هو 79 وظيفة، وبالتالي يكون الثلث الممكن قانوناً تعيينه من خارج الملاك هو 26 مركزاً، وبما أنّ عدد المعيّنين من خارج الملاك لغاية تاريخه يبلغ 34 مقابل 21 من داخل الملاك، يكون مجلس الوزراء قد تجاوز مسبقاً الحصة القانونية المسموح بها من خارج الملاك الإداري، وأي تعيين جديد من خارج الملاك يُعتبر انتهاكاً للقانون وتجاوزاً للسلطات الممنوحة لمجلس الوزراء ومخالفاً لمبدأ الشرعية.
مصادر مسؤولة في الإدارة العامة سجّلت ملاحظات على اقتراح القانون المقدّم من عدوان وأبي عاصي، منها أنّه لم يذكر عبارة «خلافاً لأيّ نص آخر» كي يقطع الطريق على التذرّع بوجود نصوص خاصة. ولفتت الى «ثغرة كبيرة» في الاقتراح، إذ أنه يُبقي القاضي المنقول إلى الإدارة منتسباً إلى صندوق تعاضد القضاة، «وفي ذلك تضارب وازدواجية ورشوة للقاضي الذي يُنقل وعدم مساواة بين المدراء العامين، بحيث يستفيد أحدهم من صندوق تعاضد يعود إلى سلك لم يعد ينتمي إليه، وآخر لا يستفيد». وتتعلق الملاحظة الثالثة بأن اقتراح القانون لم يمنع الانتداب للجان ولأعمال استشارية لدى الوزارات. علماً بأن عدوان سبق أن أشار إلى هذه النقطة في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه اقتراح القانون، حين قال إن عدم انتداب القضاة كمستشارين إلى الوزارات يحتاج إلى قرار من وزيرة العدل فحسب.
وكي يكون المشروع مجدياً، بحسب المصادر، يجب أن ينص على أن «الذين اختاروا البقاء في الإدارة يفقدون حقهم بالعودة يوماً ما إلى القضاء». أما بالنسبة إلى القضاة المنقولين والمنتدبين الذين لم يختاروا خلال ثلاثة أشهر، فيجب أن «يُعتبر منقولاً حكماً إلى الإدارة من لم يختر في نهاية الأشهر الثلاثة النهائية، ويصبح من عداد المدراء العامين وتطبق عليه سلسلة الإداريين وألا يستفيد من صندوق تعاضد القضاة ويُنزع عنه لقب القاضي».