في 7 أيار الماضي، أصدر النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات قراراً يقضي بتنفيذ أعمال الإخلاء ووضع اليد على المخالفات في الأملاك البحرية سنداً للقانونين 64 و132. وطلب من وزارة الأشغال العامة ومديرية النقل البحري «البدء بإنفاذ آلية وضع اليد على المخالفات التي لم يتقدم أصحابها بطلبات معالجة أو تقدموا خارج المهلة أو الأشخاص الذين لا تتوافر شروط المعالجة بحقهم». لم يكد متابعو هذه القضية المزمنة يحتفلون بهذا القرار التاريخي الذي يعيد اليهم بحرهم المنهوب، حتى نُشر في اليوم التالي للقرار، أي بتاريخ 8 أيار، قانون حمل الرقم 160 يتضمن تعليق سريان المهل القانونية والقضائية والعقدية ما بين 18 تشرين الأول 2019 و30 تموز 2020، الأمر الذي استندت اليه وزيرة العدل ماري كلود نجم لتعليق قرار القاضي عويدات، بحسب المصادر، مدّعية أن هذا القانون يسري على المهلة المعطاة للمتعدين على الأملاك البحرية العمومية التي انتهت في 30 تشرين الثاني 2019.
لم يضع وزير الأشغال أي خطة أو تصور لمرحلة ما بعد استعادة الأملاك البحرية

هكذا، قررت الدولة مجدداً تقديم أملاكها على طبق ذهبيّ لمن اعتدوا عليها لسنوات من دون دفع أي رسوم ومن دون التقيّد بالقوانين والمراسيم، ولا سيما في ما يخصّ إبقاء ممر متاح أمام المواطنين للوصول الى البحر. وزير الأشغال، ميشال نجار، سارع أمس، بعد اعتصام نفذته مجموعة «أوعَ» أمام الوزارة، الى تأكيد تعاونه مع «الضابطة العدلية رغم تحفظاته واستعداده لاتخاذ الإجراءات اللازمة فور انتهاء دور القوى الأمنية مباشرة إخلاء الأملاك البحرية». لكن نجار «المستعد للتعاون مع الضابطة العدلية لإخلاء هذه الأملاك والرافض للتعدي على أملاك الدولة»، قال في الكلمة نفسها إن «من يريد تسوية المخالفات في الأملاك البحرية باتت هناك مهلة حتى 12 آب 2020. وأنا أتكلم في القانون، ولا يهمني الاسم والسياسة»! هكذا قررت وزارتا العدل والأشغال العامة تعليق قرار القاضي عويدات وثنيه عن البدء بوضع اليد على الأملاك البحرية التي يشغلها نحو 700 من أصل 1100 معتدٍ نتيجة تخلفهم عن دفع الرسوم الواجبة عليهم بموجب القانون الرقم 64 ورغم تمديد المهل ثلاث مرات. «الأخبار» اتصلت بوزيرة العدل ماري كلود نجم لاستيضاح اللغط الحاصل في هذا الموضوع، لكن الأخيرة، كعادتها، لم تُجِب. كذلك الأمر بالنسبة إلى وزير الأشغال. أما مصادر النيابية العامة التمييزية، فقالت إن «الجدل الحاصل اليوم يتعلق بما إذا كان قانون تعليق المهل يسري على المتعدين على الأملاك البحرية. فكلمة «المهل القانونية» تسري على المهلة الأولى التي حددها القانون 64 الذي أقرّ في العام 2017، ولا تشمل تمديد هذه المهل إدارياً وليس قانونياً». وبالفعل، القانون الصادر بتاريخ 20/10/2017 والذي لحظ في مادته الحادية عشرة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية، واضح في مادته الخامسة التي تنص على ما يلي: «على المخالف أن يتقدم من الادارة في مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون»، أي بتاريخ 20/10/2017، ما يعني أن هذه المهلة انتهت خلال الشهر الأول من العام 2018 (تم تمديدها إدارياً) ولا يفترض أن يسري عليها قانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية الصادر أخيراً. لكن وزيرة العدل أفتت بغير ذلك وفقاً للمصادر، وأكدت انسحاب هذا القرار على الأملاك البحرية؛ فاستفاد وزير الأشغال من غطائها لإعلان تمديد المهل للمعتدين، علماً بأن الأخير، ومنذ تسلم الوزارة، لم يكلف نفسه عناء إعداد خطة لتسلم هذه الأملاك في حال ختمِها بالشمع الأحمر من قبل النيابة العامة التمييزية، أكان في ما يخص المنتجعات السياحية أم البيوت السكنية. وتلك مشكلة قديمة بدأت منذ وضع القانون الرقم 64 من دون مراسيم تطبيقية لكيفية استعادة الأملاك البحرية، بما يوحي أن الدولة بنفسها تعتبر أملاكها عبئاً عليها ولا تريد استردادها، إذ كان يفترض أن يبدأ وضع اليد منذ 7 أشهر، أي في 30 تشرين الثاني 2019، تاريخ انتهاء المهلة الأخيرة. وزارة الأشغال أحالت الملف حينذاك على وزارة الداخلية والنيابة العامة التمييزية، الا أن «الداخلية» لم تحرّك ساكناً. أما النيابة العامة، فاتخذت خطوات تمهيدية، قبل أن تصل إلى قرار عويدات. مصادر «التمييزية» تعقّب بأن دورها «تطبيق القانون، وقد قمنا بتقسيم المخالفات ما بين السكنية والمنتجعات، وبحسب خصوصية كل منها. الا أن خطة استعادتها وإدارتها تعود الى الدولة. نحن مهمتنا تنفيذية فقط». هل هذا يعني أن قانون تميد المهل علق القرار الصادر عن عويدات ببدء وضع اليد على هذه الأملاك؟ «أمر وضع اليد يرسل الينا من وزارة الأشغال؛ فعلياً، قرار النيابة العامة معلق، إلا إذا أرادت الأشغال السير وفق خطين متوازيين وبدء الإعداد لاستعادة من لم يتقدم بطلب معالجة وضعه». وحتى إذا تمّ التسليم جدلاً بقرار تعليق المهل الذي يفترض أن تنتهي مفاعيله في 30 تموز المقبل حيث يمنح المعتدين 11 يوماً للتقدم بمعالجة أوضاعهم، فإن وزارة الأشغال لم تضع تصوراً أو خطة لمرحلة ما بعد الختم بالشمع الأحمر، ولما ستؤول اليه أوضاع البيوت السكنية التي طلبت النيابة العامة التمييزية أن يجري تنسيق أمرها بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية. فالدولة لا تريد استعادة أملاكها، بل تحثّ المعتدين على إبقاء تعدياتهم، وتلك ليست بمفاجأة. فهذه الدولة نفسها هي التي تهرول لبيع أوصالها وقطاعاتها المنتجة الى القطاع الخاص، في ما تعتبره خطة اقتصادية لإعادة النهوض بالبلد.