مع انطلاق أولى المحادثات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، برزت قضية حصول لبنان على قرض عاجل من مساهماته بصندوق النقد، والتي تبلغ 862 مليوناً و500 ألف دولار أميركي. إلّا أن هذا القرض، «قيد الدراسة»، لا علاقة له بالخطة المالية والاقتصادية التي وضعتها الحكومة وعلى أساسها طلبت المساعدة من صندوق النقد. بل يدخل تحت باب «المساعدات العاجلة» التي قدّمها الصندوق إلى عدد من الدول في مواجهة جائحة كورونا، مثل مصر، من إحدى إداراته، المعروفة بـ«أداة التمويل السريع (Rapid Financing Instrument RFI)»، المخصّصة للمساعدات العاجلة.مصادر حكومية تجزم بأن صندوق النقد وافق فعلاً على الطلب اللبناني، لكن مصادر متابعة أخرى تؤكّد لـ«الأخبار»، أن الأمر لا يزال قيد الدراسة، بانتظار عدة أمور، منها طبعاً ما سيقوم به لبنان من إجراءات والتأكد من قدرته على السداد، وخصوصاً أن الصندوق لا يعتبر لبنان بلداً «معدماً» حتى يساعَد بأي ثمن.
مصادر حكومية تؤكد الموافقة على الطلب فيما تجزم مصادر أخرى أنه قيد الدرس


مع بداية انتشار وباء كورونا، طلب لبنان هذا القرض كغيره من الدول، بيد أن الصندوق أهمل الطلب اللبناني. ومع إعلان الحكومة اللبنانية في 30 نيسان «خطة التعافي» المالية، ثم توجيهها رسالة في 1 أيار إلى صندوق النقد طلباً لمساعدته بناءً على الخطة هذه، أعيدت مراجعة الطلب السابق. وفي حال تمّت الموافقة عليه، فإن استثماره في لبنان طبعاً يذهب أبعد من مكافحة كورونا، وخصوصاً أن البلاد ليست في حاجة إلى مبلغ كهذا في الإجراءات المباشرة لمكافحة الجائحة.
هذه «المساعدة»، في حال الموافقة عليها، ليست هبة، بل قرض لمدة معينة عملاً بأحكام نظام هذا الصندوق (RFI)، على أن يُصار إلى توظيفها في «الإصلاحات» التي تعتزم حكومة الرئيس حسان دياب القيام بها، وخصوصاً أن رد الفعل الأولي الرسمي للصندوق وفق ما تبلّغه المسؤولون اللبنانيون، أنه «ركيزة إيجابية لانطلاق التفاوض معه على تعويم الاقتصاد اللبناني». طبعاً لم يكن صندوق النقد يوماً مهتماً بالقلق على حياة مواطني بلد يطلب منه المؤازرة، ولا على توازنه المعيشي وقدرات تكيّفه، مقدار اهتمامه بسبل إيجاد الطرق التي تهتم لمالية الدولة ودفع الديون للدائنين، على حساب السّكان المرهقين تحت الضرائب المرتفعة وانعدام الضمانات الصحية والاجتماعية. وما يعني الصندوق في نهاية الأمر، هو كيف سيتمكن البلد الذي «يساعده» الصندوق من رد المبالغ التي يقدمها إليه ضمن المهل المتفق عليها، وتالياً - قبل منحها وإن على دفعات -التحقق من جدية الآليات التطبيقية التي تعيد المبالغ إلى أصحابها! مع ذلك، وهو يحاور حكومة دياب، يضع صندوق النقد عينه على الدور الذي يضطلع به مجلس النواب للتصويت على قوانين تنفيذية للخطة المالية من جهة أخرى.
إعادة النظر بالطلب اللبناني، تُرجِم كإشارة تجاه الحكومة للدفع نحو تطبيق الخطة المالية، بدءاً بما يعدّه الصندوق «بنوداً بديهية»، من إجراءات قاسية. وهذه الإشارات ليست اقتصادية فحسب، إنّما سياسية أيضاً، في لعبة «الانفتاح» على الحكومة اللبنانية من جهة والتضييق أكثر على حزب الله.

يطلب الصندوق استمرار الحكومة في تسديد ديونها للصناديق الدولية والإقليمية


وتتضمّن رسالة الصندوق أيضاً، إشارة إلى الحكومة اللبنانية لحثّها على الاستمرار في تسديد ديونها للصناديق الدولية والإقليمية التي استدانت منها، وفي الوقت نفسه مباشرة التفاوض الجدي مع أصحاب السندات الدولية (اليوروبوندز). بيد أن هذا الإلحاح لا يقتصر عليهما، بل يقتضي بحكومة دياب مباشرة إجراءين لم يعد في الإمكان انتظارهما أكثر: تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية وإعادة بناء قطاع الكهرباء، وهما مطلبان مزمنان للصندوق يعودان إلى عام 1993. ويسوّق الصندوق أنه بمجرد بدء العمل على تحقيقهما يُرسل هو الآخر رسالة مقابلة كي يتقدم في مفاوضاته مع لبنان، وتسديده دفعات من القروض التي اقترحها وهي 10 مليارات دولار في خمس سنوات.
ويقترح الصندوق الاقتداء بتجربة مصر، التي وافق الصندوق من ضمن إدارة «أداة التمويل السريع» على منحها دفعة أولى من القروض، هذا الشهر، بقيمة 2.7 مليار دولار من مجموع ما تطلبه حكومتها من صندوق النقد، وهو 8.4 مليارات دولار. بيد أنها استبقت الحصول على هذا القرض باتخاذ إجراءات كتحرير سعر العملة الوطنية ورفع الدعم عن الخدمات الحيوية الأساسية.

سعر الصرف
على صعيد آخر، استمرّت التحقيقات مع عدد من الصرافين الموقوفين بشبهة التلاعب بسعر صرف الليرة مقابل الدولار. وأبرز هؤلاء الموقوفين هو نقيب الصرافين، محمود مراد، الذي قبضت عليه أول من أمس مفرزة الضاحية الجنوبية لبيروت في الشرطة القضائية، بإشارة من المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. كذلك يجري التحقيق مع مدير فرع أحد المصارف، بالشبهة ذاتها. وفيما تشير مصادر أمنية إلى استمرار ملاحقة الصرافين الذين يتلاعبون بسعر الصرف، انعكست التوقيفات حذراً بين أصحاب محالّ الصيرفة، الذين امتنع عدد كبير منهم عن بيع الدولارات، خشية التوقيف. ورغم أن أصحاب المحال المقفلة كانوا يبيعون عبر خدمة «الديليفيري»، أو عبر أشخاص متجوّلين، إلا أن خبراء ماليين أكدوا أن الإجراءات الأمنية قد تهدّئ السوق، لكنها بالتأكيد لن تسمح باستقرار السعر، في ظل استمرار الطلب على الدولار، سواء لتمويل الاستيراد، أو للمضاربة، أو للادّخار. والنقطة الأخيرة «يغذيها» امتناع المصارف عن تزويد المودعين أموالهم بالدولار، وتطبيق التعميم رقم 148 الصادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم 3 نيسان الماضي، والقاضي بتحويل الودائع التي لا تتجاوز قيمة كل منها مبلغ خمسة ملايين ليرة، إلى الدولار وفقاً للسعر الرسمي، ثم تسليمها لأصحابها بعد تحويلها مجدداً إلى الليرة بـ«سعر السوق». وتؤدي زيادة النقد بالليرة إلى زيادة الطلب على الدولار في «السوق السوداء». ويرى الخبراء أنفسهم أن ما يعيد التوازن إلى سوق الصيرفة هو تدخّل مصرف لبنان، عبر بيع الدولارات للصرافين، وإلزامهم بآليات عمل تمنع المضاربة، فضلاً عن توسيع دائرة السلع «المدعومة» بدولارات بالسعر الرسمي.